غريب أمر مجتمعنا، ينادي بالعدالة الاجتماعية، ويناقض نفسه إذا وصل الأمر إلى مساعدة غيرها.
هنا أتحدث عن القروض، والذين اضطروا إليها بفعل الحاجة، وضيق ذات اليد، وليس تباهياً، ففي الأمثال "وجع العين ولا الدين"، ولهذا فإن المقترض لن يكون بنعيم، وعلى هذا الأساس لا بد من النظر إلى الأمر ليس بالنظرة التي رسخها الطامعون بمال الغير، أو أصوله، وهي عبارة عن مسكن، بل بعين العدالة الحقيقية.
ثمة من يقول: إذا حلت مشكلة المدين فهو سيعاود الكرة، وبنى ذلك على أوهام لا علاقة لها بالواقع، بينما المقترض المعسر يحتاج من يعاونه على الخلاص من ذلك "الوجع"، ولهذا كثير من الناس نادوا بتحقيق الحياة الكريمة للمواطنين، بعيداً عن "ضيق العين" والحسد، بل تحقيق الإنصاف الاجتماعي الصحيح.
هنا لابد من التذكير أن المادة 20 من الدستور في نصها الصريح لم تأت عبثاً فـ"الاقتصاد الوطني أساسه العدالة الاجتماعية، وقوامه التعاون العادل بين النشاط العام والنشاط الخاص، وهدفه تحقيق التنمية الاقتصادية وزيادة الإنتاج ورفع المستوى المعيشي، وتحقيق الرخاء للمواطنين".
إن تحقيق الرخاء للمواطنين يستند في جوهره إلى "الحياة الكريمة"، وهذا لا يكون إلا من خلال التعاضد الاجتماعي، ولهذا كان نص المادة 25 واضحاً لا لبس فيه "تكفل الدولة تضامن المجتمع في تحمل الأعباء الناجمة عن الكوارث والمحن العامة".
هنا نسأل: أليس وجود ما يزيد عن 120 ألف مواطن تحت مقصلة الإعدام الاجتماعي، جراء عسرتهم عن تسديد ديونهم في محنة عامة، وكارثة وطنية، فإذا عملت الدولة على إنصافهم ألا تكون قد أصلحت الكثير من مواقع الخلل بين الأسر، وحققت العدالة عبر التفريج عن كربة المعسر؟
بينما في المقابل هناك من يرى أن ذلك يجب أن يقابله منح غير المقترضين ديوناً، من دون استردادها، هذا الأمر غير واقعي على الإطلاق، وليس من العدالة الاجتماعية بشيء إطلاقاً، إنما هو نتيجة قصر نظر، مبني على طمع الاستحواذ، ولذلك نكرر، أن من اقترض لن يعاود الكرة، ففي دول الخليج، حلت المشكلة بأن أقفلت الملف عبر تسديد ديون المواطنين، بينما فرضت على الشركات والدائنين تقسيط المبلغ على 20 سنة.
كذلك وضع في ملف المقترض الإلكتروني عند الجهات الرسمية، أنه مدين، كي لا يطلب قرضاً آخر، كما هناك الأمور الكثيرة التي تسهل حياة الناس من دون سجنهم، أو منعهم من السفر، أو وقف خدماتهم.
للأسف إن هذا الإجراء الأخير فيه مهازل شتى، أقلها أن مواطناً نسي يدفع قسطه إلى إحدى شركات الأموال، والمبلغ أقل من مائة دينار، منع من السفر للعلاج، وآخر منع من تجديد رخصة القيادة، وإقامات عماله.
فماذا كانت النتيجة ما فعلته بعض دول الخليج من إقفال هذا الملف، أي منع وقف الخدمات؟
نشط الاقتصاد المحلي، لأن السيولة باتت متوفرة بين أيدي الناس، فيما فرضت بعضها بالقانون أن الشيك من دون رصيد ليس جناية، ولا يعتد به في شأن منع حركة الناس لممارسة أعمالها، ولا يمنع المواطن من السفر، لأن الوطن هو ملاذه الأخير، وإذا سافر ربما يكون لعمل كي يسدد ديونه، لكنه لن يهرب، فهو مقترض وليس مختلساً أو مرتكب جريمة كبرى.
صحيح ثمة دراسة تجرى في وزارة العدل عن عدم تصنيف "شيك دون مؤونة جناية"، من أجل التسهيل على الناس، وإذا تحققت هذه الخطوة تكون في الطريق الصحيح بالكويت كبلد الإنسانية، لكن التخفيف عن الغارمين أمر مصيري يجب أن يكون أمام مجلس الوزراء، ووزير العدل.