ليس كل يدٍ تمتد بالعطاء تحمل معها الرحمة والسكينة، فهناك يدٌ تعين جسداً لكنها تتعب روحاً، تمد الطعام، لكن كلماتها تجعله علقماً، تحمل الثقل عنك، لكنها تضع على قلبك أثقل منه.يا بني إن الكلمة الطيبة قد تغني عن أعظم عطاء، والكلمة الجارحة قد تمحو أجمل معروف، فأعظم ما في العطاء ألا يترك في نفس من تعطيه ذلاً، أو مهانة، أو حرجاً، فما فائدة يدٍ تعين ويدٍ أخرى تسقطك بكلمة، وما جدوى بسمة إذا أعقبها تذمر ولسانٌ يعدد التضحيات، وكأنها دين لا يسقطه الزمان؟
والداك لا يحتاجان يدك بقدر ما يحتاجان قلبك.لا يحتاجان مالك بقدر ما يحتاجان رحمتك.
فلا تجعل من عطائك سبباً لتأنيبهما على ضعفهما، أو ظروفهما، أو حاجتهما. ربما لو تركتهما في عجزهما، واحتياجهما لكان أهون عليهما، من لسانك الذي يجرح، وكلماتك التي تشعرهما بصغرهما في عينيك، فالقلب إذا ذلّ انكسر، وإن انكسر لا تداويه آلاف الهدايا.
قال تعالى: "قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى"،
هي كلمة منهج حياة. الكلمة الطيبة التي ترافق العطاء ترفع منزلتك عند الله، وعند من أحسنت إليه، أما العطاء المقرون بالأذى والمنّ، فهو ثقلٌ على قلب متلقيه، لا ينساه مهما طالت الأيام.
يا بني، والداك يحتاجونك داعماً بلسانك قبل جيبك، يحتاجان قلباً يقول: "أنا هنا معكم، لا عليكم"، يحتاجان منك رحمة تسبق نفقتك، ورفقاً يسبق كلماتك. فما كل عطاء يثقل نفسك، لكن الكلمة الجارحة تفعل. تذكّر دائماً أن من الناس من لا يريد سوى صدرٍ لا يخذله وكلمةٍ لا تجرحه. فإن لم تلق في عطائك رحمةً ولطفًا، فاعفهم من عطائك، فوالله إن ألم حاجتهم أهون عليهم من ألم كسر كرامتهم أمامك.
ولا تنس أن الله يعطي بركةً مضاعفةً ليدٍ تمنح بسترٍ ولطفٍ وصمت، لكن حين يتبع العطاء تذمرٌ ونحيبٌ، وامتعاض، فإنك بذلك قد منعت بركة الله عن يدك، حتى وإن ظلّت مملوءة مالاً وظاهراً بالخير. فالله لا يبارك يداً خالية الرحمة، ولا لساناً يفضح ضعف عباده الذين سترهم بحكمته.
يا بني، لو علمت كم يثقل الصدر الشعور بأن القرب صار أقسى من الغربة، لما جرحت من أحبك بكلمة، حتى لو بذلت له عمرك، فالكلمة الطيبة جسر يصل القلوب، والعطاء بلا لطفٍ سورٌ يفصل بينها إلى الأبد.
كاتب كويتي
[email protected]