الجمعة 18 يوليو 2025
39°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
'المحتوى' بين الجودة والرداءة ... في زمن الإنترنت
play icon
الإنترنت يغزو العالم بالغث والسمين
الثقافية

"المحتوى" بين الجودة والرداءة ... في زمن الإنترنت

Time
الأربعاء 16 يوليو 2025
View
5
مدحت علام
"الترند" يتفوّق بجدارة على العلم والثقافة والفنون

مدحت علام

نقلق... أم نطمئن؟... ونحن نعيش في زمن الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث كثافة النشر، من دون عوائق أو صعاب، فالمستخدم لا يحتاج موافقة أو مراجعة أو إذناً كي ينشر محتواه، ليقرأه أو حتى يتجاهله المستخدمون الآخرون، المهم أن هذا المحتوى غثاً كان أم ثميناً، سيظل متوافراً على غوغل لمن يريده، أو حتى لمن لا يريده.

نسعد أم نحزن؟... لأن الرقيب قد أعلن وفاته على مواقع التواصل الاجتماعي، سواء كان ذلك الرقيب صاحب خبرة ودراية، يعمل بشكل إيجابي من خلال مراجعة المادة المراد نشرها، للوقوف عند مضمونها، ورفض الرديء لغة وأسلوباً وصياغة وقيمة أدبية، أو كان رقيباً متعسفاً لا تهمه إلا خلو المادة المراد نشرها من أفكار وهواجس تدور في رأسه، فيمنع ما لا يروق له ولمنظومته الاجتماعية، ويقبل ما يتناسب مع روحه المهادنة، أو حسب اللوائح والتعليمات الموجهة إليه، من دون التركيز على المضمون واللغة والأسلوب.

إن غياب الرقيب أو المسؤول "الواعي أو غير الواعي"، عن ساحة النشر على مواقع التواصل الاجتماعي، لم يكن إلا بوابة تتسع لكل شيء... الجيد والرديء، الصالح والطالح، الغث والسمين، هذا الأمر في شكله الظاهر حالة صحية محمودة، حيث إن الآراء ستتعدد، وأوعية النشر ستستقبل الناشرين من دون قيد أو شرط، وهذه الميزة أسهمت بشكل مباشر في إزاحة الجيد والصالح والسمين، لأسباب تتعلق بالوقت، حيث إن أصحاب هذه الأعمال لا يجدون الوقت الكافي للمتابعة فهم ينشرون أعمالهم، ثم يذهبون إلى مشاغلهم وحياتهم ولا قدرة لديهم في الرد على كل من يعلق أو يبعث إعجاباً.

أما أصحاب الأعمال الرديئة والطالحة والغثة، فإن معظمهم قد يظل صامداً وسابحاً في الفضاء المفتوح لساعات طويلة، يجاملون غيرهم ممن ينشر محتواه، ويشكرون من يشيد بهم، ويدافعون بشراسة عن كتاباتهم المقتنعين بها أشد الاقتناع، مما يساعدهم على حصد المشاهدات الكثيرة والمتشعبة، وبالتالي تُكرّس كتاباتهم على أساس أنها بالفعل أدب وإبداع.

إننا أمام منهج خادع يتبناه الفضاء الإلكتروني، يعتمد على نسبة المشاهدات، من دون التدقيق أو حتى النظر إلى قيمة المحتوى وجودته، مما أسهم في تشويه الذوق العام، ليصبح محتوى أو"ترند" - مثلاً - تافه وسطحي، غير أنه صادم للأخلاق الإنسانية، أو فاضح، هو حديث الناس على المواقع الإلكترونية، ويستمر تداوله لفترة طويلة، لينال صاحبه أو صاحبته الشهر وحتى المال، الذي يأتي من الإعلانات، وغير ذلك من طرق أخرى، وهذا الأمر يمثل خطورة شديدة على المجتمع الذي بمرور الوقت سيعتاد على مثل هذا المحتوى، بل إنه سيقتنع بأنه صيغة حياتيه يتعيّن عليه أن يتواصل معها، ويخوض غمارها وتجاربها، للتتحول حياة المجتمع إلى "ترند"، ولا عزاء للعمل الفعلي والانتاج، أو حتى الطموح، طالما أن مشهداً قصيراً يتضمن محتوى رديئاً، يستطيع أن يحقق الشهرة والمال، فمسألة تحصيل العلم والتثقيف والاجتهاد في العمل لا قيمة لها ولا معنى.

نعم إننا نستشعر القلق... ليس على الثقافة والمعرفة والعلم والفن فحسب، بل إن القلق على المجتمع الذي ستختفي بالتدريج من مشاعره خفقة الجمال وتذوق الجيّد من الأعمال، وسيصبح مجرد مردّد لما تنشره وسائل المواقع الالكترونية من محتوى وترند ومشاهد باهتة لا تفيد، ومتجاهلاً تماماً الأدب الحقيقي والثقافة الجادة والفنون الشيّقة، وهذا ما انعكس على ذائقة المتلقي التي أصبحت تطرب لكل ساقط، وتلهث خلف التسطيح، وتتابع ما لا ينفع، ولكنه يضرّ في العمق. إننا نحزن... لأن الأدباء والكتاب والمثقفين الحقيقيين تراجعوا عن النشر في هذه المعمعة التي يُطلق عليها الفضاء الإلكتروني، بل إن بعضهم دخل في اللعبة، وأصبح ينشر خواطره اليومية، وماذا أكل اليوم ومن قابل، من دون أن يذكر ماذا قرأ وما الذي يفكّر فيه من مشاريع أدبية، لأنه تيقّن تماماً أن الإنترنت يقبل كل شيء، ولكن لا يحتفي إلا بتوافه الأمور.

إننا نسعد ببعض المواقع التي تحتفي بالأدب واللغة والثقافة، ورغم أن روادها قلة إلا أنها مستمرة.

ولا نسعد أبداً بهؤلاء المدّعين الذين يفرزون أعمالاً ضعيفة ومملة، لا تحتوي على مضمون، لكنهم ينجحون في تكريس تلك الأعمال وإعطاء انطباع بأنها جيدة.

آخر الأخبار