الثلاثاء 22 يوليو 2025
43°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
كذبة أبريل وكذبة ترامب... من المزحة إلى التضليل
play icon
كل الآراء

كذبة أبريل وكذبة ترامب... من المزحة إلى التضليل

Time
السبت 19 يوليو 2025
صالح بن عبد الله المسلم

ما يميز كذبة أبريل هو أنها تُروى مرة، ويُكشف زيفها بسرعة. أما "كذبة ترامب"، فقد تمادت، وتراكمت، وتكاثرت حتى صنّفت صحيفة "واشنطن بوست" أكثر من 30 ألف تصريح مضلل أو كاذب خلال فترة ولايته الرئاسية الاولى (2017-2021).

كان التناقض واضحاً، ليس فقط بين أقواله وأفعاله، بل بين تصريحاته في ذات المواضيع التي كان يبدلها وفق المصلحة والمزاج السياسي.

في كل عام، يُقبل الناس في الأول من أبريل على إطلاق "الكذبة البيضاء" كنوع من المزاح الخفيف، غالباً دون ضرر يُذكر، وتُروى الحكايات الملفقة، وتُختلق القصص الغريبة، ثم يُكشَف النقاب في نهاية اليوم عن أنها لم تكن إلا "كذبة أبريل" تقليد عالمي معروف، لا يُقصد به خداع دائم ولا تضليل حقيقي.

لكن، حين تصبح الكذبة عادةً يومية، وتصدر من رجل في أعلى هرم السلطة العالمية، فإن المسألة تتحول من طرافة إلى أزمة ثقة، ومن نكتة إلى مأساة سياسية، هنا نتحدث عن "كذبة ترامب"، تلك التي لم تُعرف بتاريخ محدد، لأنها لم تكن لحظة عابرة، بل كانت جزءًا من أسلوب ونهج.

هو لم يكن مجرد رئيس يخطئ في نقل معلومة، أو يضلل عن غير قصد، لقد جعل من "الحقيقة البديلة" – وهو مصطلح استخدمه فريقه – سلاحاً في معاركه الإعلامية والسياسية، أنكر تغير المناخ، شكك في فعالية اللقاحات، زعم أن الانتخابات سُرقت منه دون دليل، بل ذهب إلى حد تحريض أنصاره بشكل غير مباشر على اقتحام مبنى الكابيتول في 6 يناير 2021.

الفرق بين كذبة أبريل وكذبة ترامب يكمن في النتائج. الأولى تنتهي بالضحك، بينما الثانية قد تؤدي إلى اضطرابات شعبية، وانقسام وطني، وخسائر في الأرواح، لقد استخدم الكذب كسلاح انتخابي، وأداة لصناعة عدو دائم: الإعلام، الديمقراطيون، المهاجرون، وحتى بعض حلفائه الجمهوريين.

أخطر ما في "كذبة ترامب" أنها شرّعت الكذب، وجعلته مقبولاً لدى جمهور واسع، صار الولاء للرجل أهم من الولاء للحقيقة، ومثلما يضحك الناس على "كذبة أبريل"، وهم يعلمون حقيقتها، بات كثير من مؤيدي ترامب يصدقونه، وهم يعلمون أنه يكذب، لا لأنهم لا يعرفون، بل لأنهم يريدون أن يصدقوا الكذبة التي تريحهم.

بين كذبة أبريل التي تعيش ليوم واحد، وكذبة ترامب التي امتدت لأربعة أعوام سابقة وها هو (اليوم ) يّعيد السيناريو نفسه، والحكايات والقصص والتناقضات نفسها.

يبدو أن الكذبة عندما تصدر من السلطة تُصبح أخطر، فالمزحة في أول أبريل تُقال بخفة دم، لكن الكذب من فم رئيس يُنقل إلى أروقة السياسة، ويُغذي نظريات المؤامرة، ويقوّض الثقة في الديمقراطية.

لذلك، لم تكن "كذبة ترامب" نكتة سياسية فقط، بل درساً عميقاً في خطورة الحقيقة حين تُستبدل بالوهم، وفي مدى هشاشة الحقيقة في عصر ما بعد الحقيقة، وها نحن نعيش في دوّامة العصر الترامبي الملئ بالتناقضات من عدم الخوض في القتال وإيقاف الحروب الى زيادتها، ومن معضلة الرسوم الجمركية الى الوضع الاقتصادي العالمي، ومن خلافات مع الصين إلى حروب في ايران، ومن تهديدات لبوتين وموسكو الى دعم أوكرانيا.

نعيش زمن التناقضات والكذب، فهل يتغير العالم وتصبح كذبة ترامب هي الأساس ام تتلاشى مع مرور الوقت؟

كاتب سعودي

آخر الأخبار