شهدت الساحة الكويتية أخيراً جدلاً متصاعداً، إثر صدور قرار مجلس الوزراء بشأن اللائحة المنظمة لبدل الانتفاع، ورسوم الخدمات على أملاك الدولة، بما في ذلك الشاليهات.
وقد أثارت هذه القرارات اعتراضات واسعة، إذ اعتبرها كثيرون متجاهلة للأبعاد الاقتصادية، ومثبطة للتحفيز الاستثماري، فضلاً عن تحميلها المواطن كلفة الزيادات بشكل مباشر.
في الوقت الذي تتجه فيه الدول المتقدمة إلى سنّ تشريعات صارمة لحماية المواطنين من التقلبات المفرطة في سوق الإيجارات، تبرز التجربة الهولندية كنموذج يستحق التأمل والتطبيق، خصوصاً في الكويت التي تعاني من تضخم غير مبرر في أسعار الإيجارات.
ومن الأدلة قوانين الإيجارات في هولندا، حيث تعتمد الحكومة هناك نظام تقييم الإيجارات، وهو نظام يستند إلى نقاط تُمنح للعقار بناءً على جودته، موقعه، مساحته، والمرافق المتوافرة فيه.
ويُستخدم هذا النظام لتحديد الحد الأقصى للإيجار المسموح به، مع فرض رقابة صارمة لضمان توازن العلاقة بين المالك والمستأجر. حتى الإيجارات في السوق الحرة تخضع لضوابط تنظيمية تقيد الزيادات السنوية، وتحمي المستأجر من الاستغلال.
في المقابل، يواجه المواطن الكويتي واقعاً مغايراً، فرغم وجود بعض القوانين المنظمة للإيجارات، إلا أن آليات الرقابة والمتابعة شبه غائبة، مما يفسح المجال أمام بعض المستثمرين والتجار لفرض زيادات غير مبررة، يدفع ثمنها المواطن، لا سيما من ذوي الدخل المحدود.
السؤال الذي يطرح نفسه: من يتحمل عبء هذه الزيادات؟
من المؤكد أن المستثمر لن يتحملها، بل ينقلها بالكامل إلى المستأجر عبر زيادات دورية، فيتحول المواطن والمقيم ضحية، بينما يحتكر بعض التجار السوق، ويرفعون أسعار السلع والخدمات لتعويض التكاليف، ويُجبر التجار الصغار على الإغلاق، لتستمر الدائرة المغلقة للاستغلال.
المثير للاستغراب أن ظاهرة ارتفاع الإيجارات لم تقتصر على العقارات التجارية أو السكنية، بل امتدت إلى أراضي الدولة المؤجرة بأسعار رمزية، بهدف تنشيط الاقتصاد والخدمات.
مع ذلك، يعاد تأجير هذه الأراضي بأسعار مضاعفة دون رقابة حقيقية، خصوصاً في مناطق مثل الشويخ، الري، الفحيحيل، الجهراء، وشرق، مما يؤدي إلى تحقيق أرباح طائلة من دون تقديم أي خدمات حقيقية، بينما يتحمل المواطن المستأجر كامل الأعباء، دون حماية قانونية واضحة. وهناك مستثمرون يحققون أرباحاً ضخمة من تأجير القسائم الصناعية أو "التجارية"، دون أن يلتزموا تطويرها أو تحسين الخدمات. ومع غياب الضرائب والاشتراطات، يتحول الأمر استغلالاً صريحاً لأملاك الدولة.
وعلى الدولة أن تفرض اشتراطات واضحة، مثل إنشاء مسارات آمنة للمشاة، توفير مواقف سيارات، تجهيزات لذوي الاحتياجات الخاصة، زراعة الأشجار، والحفاظ على النظافة العامة.
ولتوضيح الفجوة الهائلة بين الإيجار الرمزي المدفوع للدولة وما يُفرض على المستأجر، نأخذ المثال التالي: إيجار القسائم التجارية غير الصناعية يبدأ من 8.250 دنانير للمتر المربع سنوياً، أي ما يعادل 690 فلساً للمتر المربع شهرياً.
في إحدى القسائم في الري، كان أحد التجار يشغل محلاً بمساحة 46 متراً مربعاً، ويدفع إيجاراً شهرياً قدره 200 دينار عام 2011، بواقع 4.3 دينار للمتر المربع الواحد، ارتفع الإيجار إلى 250 ديناراً في 2015 للمحل بما يعادل 5.430 دينار للمتر المربع الواحد، لكن بعد بيع العقار لمستثمر جديد في 2021، قفز الإيجار الشهري إلى 850 ديناراً (أي نحو 18.47 ديناراً للمتر المربع)، بعقد لا يتجاوز عاماً واحداً.
وفي 2023، تم إنهاء العقود السابقة، وفرض إيجارات جديدة تتراوح بين 1100 و1500 دينار شهرياً، أي ما يعادل 28 إلى 32 ديناراً للمتر المربع الواحد شهرياً، بينما لا تزال القيمة الأصلية من هيئة الصناعة ثابتة!
ما العمل؟
هذا التفاوت الصارخ يبرز الفجوة بين النموذجين الهولندي والكويتي، ففي الاولى، تحتل حماية المواطن موقع الصدارة في التشريعات العقارية، بينما يُترك المواطن الكويتي فريسة للسوق، بلا دعم قانوني كافٍ، ولا رادع للمستغلين. لذلك، نوصي بدراسة إمكانية تطبيق نظام شبيه بـ" WWS" الهولندي في الكويت، لأنه يقوم على تقييم العقارات وفق نظام نقاط عادل يحدد الحد الأقصى للإيجار، مع فرض رقابة دورية لضمان الالتزام، وتوقيع عقوبات على من يتجاوز القوانين أو يفرض مصاريف إضافية دون وجه حق.
خبير زراعي، عضو مجلس إدارة الهيئة العامة لشؤون الزراعة والثروة السمكية سابقاً