اجتماع لبناني- سوري في جدة بطلب سعودي
بيروت ـ "السياسة ـ خاص": ينظر اللبنانيون بكثير من القلق إزاء ما يجري من تطورات دامية في سورية، وما يمكن أن تتركه من انعكاسات بالغة السلبية على الأوضاع الداخلية التي يجهد المعنيون لتجنيبها خضات أمنية هي بغنى عنها، وفيما يولي كبار المسؤولين اهتماماً كبيراً بتحصين الجبهة الداخلية من تداعيات ما يجري من أحداث طائفية في السويداء، ذهب ضحيتها مئات القتلى والجرحى، كشفت معلومات خاصة لـ"السياسة" أن القيادة السياسية تخشى جدياً من وصول حريق السويداء إلى عتبة الدار اللبنانية. ولهذا بادر أركان السلطة، وفي مقدمهم رئيسا الجمهورية جوزاف عون ومجلس النواب نبيه بري، وكذلك رئيس الحكومة نواف سلام الذي استشعر خطراً داهماً يتهدد البلد، فبادر إلى الاتصال برئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" السابق وليد جنبلاط وشيخ عقل الدروز سامي أبي المنى، وبحث معهما ضرورة النأي بلبنان عما يجري في السويداء، لأن البلد لا يتحمل عودة الفتن الطائفية إليه مجدداً، في وقت أشارت المعلومات إلى رغبة من جانب السعودية، تبلغها لبنان وسورية معاً في الأيام القليلة الماضية، بعقد اجتماع للجنة الوزارية العسكرية اللبنانية السورية المشتركة في مدينة جدة، من أجل استكمال البحث في اتخاذ الإجراءات التي تساعد على ترسيخ الاستقرار والأمن على جانبي الحدود بين البلدين، في إطار السعي السعودي لتجنيب البلدين منزلقات أي أحداث أمنية نتيجة ما يجري في الداخل السوري.
واستناداً إلى ما تقدم، أبلغ لبنان الجانب السعودي استعداده لإرسال وفده إلى المملكة في غضون الأيام المقبلة، في وقت كان ينتظر أن يزور لبنان وزير الخارجية السورية أسعد الشيباني، لكنه تم إرجاء الزيارة للمرة الثانية دون معرفة الأسباب، وإن عزتها مصادر سياسية إلى أن الأمور بحاجة إلى مزيد من التنسيق، لتوفير الأجواء الملائمة التي تساعد على نجاح الزيارة. في الوقت الذي تشير المعلومات التي كشفتها مراجع رفيعة لـ"السياسة" أن مستوى الضغوطات السياسية والعسكرية ضد لبنان مرشح للتصاعد في المرحلة المقبلة، بعدما أبلغت الإدارة الأميركية بيروت، سواء عبر الرد الذي أرسلته عبر سفارتها أو عبر رسائل تبلغها كبار المسؤولين، برفضها مضمون الرد اللبناني الرسمي على مقترحات المبعوث توم براك، سيما وأن لبنان رفض تحديد موعد زمني لنزع سلاح "حزب الله"، ما يشير برأي واشنطن إلى أن هذا الأخير، لا يزال يملي إرادته على حكومة لبنان رغم القرار السياسي بسحب السلاح غير الشرعي، وعليه فإن هناك خشية حقيقية من أن توفر الإدارة الأميركية لإسرائيل الضوء الأخضر مجدداً، لتوسيع نطاق حربها على لبنان، والتي لم تتوقف أصلاً، بهدف ممارسة المزيد من الضغوطات لتسليم سلاح الحزب.
ويأخذ الأميركيون على حكومة لبنان، اتباع سياسة المماطلة والتسويف في ما خص قضية السلاح، من خلال التهرب من تحديد أي موعد لنزع السلاح من "حزب الله" وسائر المنظمات المسلحة، في وقت كشفت تقارير أن "حزب الله" لا زال يحصل على المزيد من الأسلحة الإيرانية، وهو ما يثير القلق من إمكانية أن تبادر إسرائيل إلى شن حرب جديدة على لبنان، طالما استمر الموقف اللبناني رمادياً من هذا الملف. وكشفت المعلومات في هذا الخصوص، أن السفير براك سيحمل معه في زيارته المرتقبة إلى بيروت، إنذاراً واضحاً من إدارته، بأنه ما عاد أمام لبنان الكثير من الوقت لحسم أمر السلاح. فإما الالتزام بموعد صريح لنزع سلاح "الحزب الإيراني"، وإما أن يكون لبنان قد وضع نفسه أمام خيارات سيئة لا يمكن التكهن بنتائجها، طالما ارتضى أن يبقى قراره السياسي والأمني بيد "حزب الله" وجماعات إيران، وهذا ما تؤكد عليه مواقف قادة المقاومة التي أبلغت أركان العهد في لبنان، أنها ترفض تسليم السلاح مهما كلف الأمر، في وقت هدد بعض قادة "حزب الله" ب"نزع الأرواح" في حال طالب أحد بنزع سلاح المقاومة. وإن كان هناك من يقول أن كلمة السر في هذا الملف، هي التزامن بين انسحاب إسرائيل من النقاط الخمس، وتسليم سلاح "الحزب" إلى الدولة اللبنانية، وهذا يعطي وقتاً للدولة اللبنانية أن تقارب ملف السلاح بارتياح، وأن تشتري الوقت، في حين أن هذا التوجه يصطدم مع قرار الولايات المتحدة التي ترفض سياسة شراء الوقت.
وتؤكد المراجع الرفيعة أن قصف إسرائيل لدمشق ليس له علاقة بحماية الدروز، بقدر ما يتعلق بنتائج ما حصل في أذربيجان قبل أيام، سيما وأن رفع العقوبات الأميركية عن سورية، تزامن مع سعي للتقارب بين الإسرائيليين والسوريين، وقد حصلت اجتماعات بين الجانبين في العاصمة الأذرية، لكن يبدو أن هذه الاجتماعات لم تسفر عن النتيجة التي تريدها إسرائيل، ما دفعها إلى قصف العاصمة السورية لممارسة المزيد من الضغوطات على حكم الرئيس أحمد الشرع حتى يرضخ للمطلب الإسرائيلي بالسير في مشروع التطبيع الكامل، وإلا فإن الآتي أعظم، وتشير إلى أن الأميركيين ليسوا بعيدين عن كل ما يجري، بعد تحذيرات واشنطن بأن المؤشرات تدل على أن سورية ذاهبة إلى مزيد من الفوضى والانقسامات رغم رفع العقوبات الأميركية عنها.