الاثنين 21 يوليو 2025
42°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
'كوت بوستة' ملحمة الرجال على الورق
play icon
كل الآراء

"كوت بوستة" ملحمة الرجال على الورق

Time
السبت 19 يوليو 2025
الشيخ م.فهد داود الصباح

كثيراً ما تشاهد في زوايا الديوانيات، مشهداً مألوفاً، يمتزج فيه صوت استكانات الشاي والقهوة العربية، وتعلو ضحكاتٌ تخفي نوايا جادّة، لا سيما حين تُفرش أوراق "الچنچفة" على الطاولة لا لتُسلّية فقط، بل لتُخاض عليها ملحمة رجولية صامتة. هي ليست مجرد لعبة، بل إنها "كوت بوستة"، ساحة معركة ورقية، فيها يظهر المعدن، ويُختبر الوفاء، وتنكشف الطِّباع كما تنكشف الأوراق.

ففي هذا الميدان يولد البطل الحقيقي، من بين الستة المشاركين في اللعبة، يظهر من يتقدّم، ويقولها ويتجرأ: "باوُن".

ذلك ليس مجرد رقم، إنه إعلان حرب، لا يخرجها إلا من يعرف أنه يملك جيشاً من الأوراق، وشريكين لا يخونان، وعيناً تُبصر خلف ظهره. فإن نجح، وسُجِّل اسمه بين الأساطير. وحصد 36 نقطة، وان خسر منح الفريق الاخر 18 نقطة.

هناك يُكشَف القائد، لا بالكلام، بل بالفعل، لا يصيح، ولا يتبجّح. لا يُدلّي بتعليمات، لكنه يرمي ورقة، فيُدرك شريكيه المعنى.

ترى الخصم يضطرب، هل كانت فخاً، هل كانت تمريرة اختبار؟

هكذا يفعل القائد في "كوت بوستة": يحكم دون صوت، ويدير الجولة كما يدير القائد معاركه من فوق صهوة حصانه.

وهناك يُفضَح المتهوّر، ذاك الذي يهوى المجد السريع.

يرى ثلاث أوراق في يده، فيعلو صوته: "سبعة"!

لكن الجولة لا ترحم. تسأله في نهايتها: أين السيف، أين الحلفاء، أين بقيّة الأوراق؟

يعود بخسارة مضاعفة… وحسرة لا تُنسى.

قالها "سبعة"... واخذوا عليه "14".

وفي الخفاء يسطع الشريك الوفي، لا يهمه أن يلمّع نفسه، بل يرمي "الميكر" ليحمي الـ"الاكلة الاولى" في يد شريكه.

يمرّر، يُغطي، يُسند، لأنه يعرف أن النصر لا يُصنع بورقة، بل بقلوبٍ تفهم بعضها دون أن تتكلّم.

هو ظِلّ البطل، لكنه من يصنع المجد الحقيقي.

في الزاوية يحلّق الستراتيجي، لا يملك "الخال"، لكنه يملك نظرة تُراقب "الميد" كما يراقب القائد ساحات الحرب من التل، لا يرمي الـ"الباش" حتى يستنزف أوراق الخصم.

لا يزايد إلا بعد أن يقرأ كل شيء، لا يحتاج إلى ضجيج، فقط يكفي أن النتيجة تقول: "هو من قلب الطاولة".

ولكل منهم، دور في هذه الملحمة، في "كوت بوستة"، الطاولة ليست مجرد لعب إنها مسرح للشخصيات:

القائد: يُسيطر دون أن يُعلن.

المتهوّر: يُشعل النار، وقد يحترق بها.

الشريك الوفي: يبني النصر من الخلف.

الستراتيجي: ينتصر بالعقل قبل الورق.

المهرج: يُشعل الديوانية ضحكاً، أو دهشة.

المراقب: يسجّل، من كان بطلاً، ومن كان خائن الورق.

في الختام حين تنتهي الجولة،لا تنتهي القصة، قد تُجمع الأوراق، وتُصبّ فناجين الشاي والقهوة، لكن الأعين لا تزال تُلاحق ذلك اللاعب، الذي لم يصرخ، لم يتفاخر، لكنه أدار الملحمة وكسبها.

"كوت بوستة" ليست ورقاً فقط، إنها أرض معركة ناعمة، فيها يُختبر الرجال، فاختر دورك بعناية.

لأن اللفات قد تُنسى، لكن لا يُنسى أبدًا: من كنتَ على طاولة "كوت بوستة".

آخر الأخبار