السبت 02 أغسطس 2025
42°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
لماذا تفضّل واشنطن تل أبيب على حلفائها العرب؟
play icon
كل الآراء

لماذا تفضّل واشنطن تل أبيب على حلفائها العرب؟

Time
الأحد 20 يوليو 2025
د.عائد الهلالي

العلاقة التي تربط الولايات المتحدة بإسرائيل ليست مجرد تحالف سياسي، أو تعاون استخباراتي، بل هي شبكة عميقة من المصالح المتشابكة، والعقائد المتجذّرة، والنفوذ الممتد عبر دوائر القرار في واشنطن.

فالسؤال الذي يُطرح باستمرار: لماذا تتمسك أميركا بإسرائيل بهذا الإصرار، حتى على حساب حلفائها العرب الذين يملكون المال، والنفط، والموقع الجغرافي؟

لا يمكن فهم هذه العلاقة من زاوية واحدة فقط، بل لا بد من النظر إليها كمنظومة متكاملة من الرهانات الستراتيجية، والعوامل الثقافية، والضغوط المالية.

من الناحية الجيوسياسية، شكّلت إسرائيل منذ نشأتها رأس حربة للمصالح الأميركية في الشرق الأوسط، لم تكن دولة تطلب حماية بقدر ما كانت تقدّم نفسها قاعدة استخباراتية وعسكرية متقدمة ضد النفوذ السوفياتي سابقاً، وضد المحور الإيراني اليوم.

هي لا تستنزف واشنطن، كما يُقال، عن بعض الحلفاء الآخرين، بل تُغذّيها بمعلومات، خبرات، وتقنيات متقدمة في مجالات الأمن السيبراني والابتكار الدفاعي، ما يجعلها شريكًا يصعب تعويضه، لا سيّما في منطقة تتغير معادلاتها كل يوم.

أما عن المال اليهودي، فإن تأثيره لا يكمن فقط في تمويل الحملات الانتخابية، بل في تشكيل العقل السياسي الأميركي تجاه إسرائيل، بحيث أصبحت مسألة دعمها قضية شبه مقدسة، من الصعب حتى على السياسيين الجريئين أن ينتقدوها. اللوبيات اليهودية مثل "أيباك" تعمل بمهارة داخل الكونغرس، في الإعلام، وفي الجامعات، لتصنع صورة لإسرائيل على أنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وأن الوقوف معها هو تعبير عن القيم الأميركية، لا فقط عن المصلحة.

في العمق الثقافي، ترتبط هذه العلاقة أيضاً بخلفيات دينية، فشرائح واسعة من المسيحيين الإنجيليين في أميركا يعتقدون أن قيام إسرائيل وازدهارها جزء من تحقيق نبوءات توراتية، وأن دعمها واجب روحي.

هذه القناعة تضيف طبقة غير مرئية من الحماية على هذا التحالف، وتجعل من الهجوم على إسرائيل لدى بعض الأميركيين كأنه هجوم على معتقداتهم.

في المقابل، فشلت معظم الدول العربية في أن تقدّم نفسها بديلاً ستراتيجياً ثابتاً، فرغم التحالفات الأمنية والاقتصادية، يبقى غياب المشروع العربي الموحد، والانقسامات الداخلية، والارتهان الأمني للغرب، كلها عوامل أضعفت من مكانة الحلفاء العرب لدى واشنطن.

الدول العربية، رغم غناها، غالباً ما تأتي إلى الطاولة طالبة لا عارضة، باحثة عن الحماية لا عن الشراكة.

ثمّة بعد آخر في هذه المعادلة لا يمكن إغفاله، وهو أن إسرائيل لا تستهلك التكنولوجيا فقط، بل تنتجها. هي مختبر متقدم في مجالات الذكاء الاصطناعي، والطائرات دون طيار، والبرمجيات الأمنية.

وهذا النوع من الشراكة لا تملكه غالبية الدول العربية، التي لا تزال اقتصاداتها قائمة على المواد الخام، أو الخدمات الريعية.

إن تمسّك أميركا بإسرائيل لا يعود فقط إلى ضغط اللوبيات، ولا إلى فاعليتها في المنطقة، بل إلى تراكب نادر بين المصلحة العقائدية والمصلحة الستراتيجية.

إنها حليف يُرضي الصندوق الانتخابي، ويخدم الـ"بنتاغون"، ويعكس صورة الحداثة الغربية في منطقة متقلبة، وهذا ما يجعل واشنطن تتعامل معها كأولوية ثابتة، بينما تبقى علاقتها بالدول العربية مشروطة بالمتغيرات والموازنات.

كاتب عراقي

آخر الأخبار