غزة، تلك البقعة الصغيرة على خريطة العالم، تحمل في طياتها جرحاً إنسانياً ينزف منذ عقود، في ظل حصار مستمر وحروب متكررة.
أصبحت غزة رمزاً للمعاناة الإنسانية التي لا تتوقف، حيث يعيش أكثر من مليوني إنسان في ظروف قاسية تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة.
الأطفال يبكون جوعاً، والأمهات يعشن في خوف دائم من فقدان أبنائهن، والشباب يواجهون مستقبلاً مظلماً يخلو من الأمل، لذا غزة اليوم ليست مجرد قضية إقليمية، بل أزمة إنسانية تستصرخ ضمير العالم، وتتطلب فزعة دولية عاجلة.
منذ بدء التصعيد الأخير في غزة، تفاقمت الأوضاع الإنسانية بشكل غير مسبوق، فالحصار الإسرائيلي المفروض منذ سنوات قطع إمدادات الغذاء، الدواء، الماء، والكهرباء، مما أدى إلى أزمة إنسانية كارثية.
وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، فإن أكثر من 30 في المئة من أطفالها يعانون من سوء التغذية الحاد، ويواجه القطاع خطر المجاعة الوشيكة، والمستشفيات دمر معظمها، أو أصبحت غير قادرة على العمل، والأطفال والجرحى يموتون يومياً لعدم توفر العلاج، بينما النازحون يعيشون في خيام مكتظة تفتقر إلى أدنى شروط الحياة الكريمة.
الأطفال في غزة هم الأكثر تضرراً من هذه الأزمة، ففي تقرير صادر عن الـ"يونيسف" ورد فيه أن نحو 335 الف طفل دون سن الخامسة معرضون لخطر سوء التغذية الحاد، مما يهدد حياتهم بشكل مباشر.
هؤلاء الأطفال، الذين يفترض أن يكونوا في المدارس يتعلمون ويلعبون، يواجهون حاليا القصف، الجوع، والخوف، وبراءتهم التي تنتهك يومياً، وهي وصمة عار على جبين المجتمع الدولي الذي يقف متفرجاً.
رغم الدعوات الدولية المتكررة لوقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية، إلا أن هذه الجهود لم ترقَ إلى مستوى الأزمة، ففي مايو الماضي، وقّعت 23 دولة بياناً مشتركاً يطالب إسرائيل بالسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، محذرة من خطر المجاعة.
كما دعت الأمم المتحدة مراراً إلى فتح المعابر الحدودية وتسهيل وصول المساعدات بشكل آمن وسريع، ومع ذلك، فإن هذه الدعوات غالباً ما تصطدم بحواجز سياسية وعسكرية، مما يجعلها غير كافية لتلبية الاحتياجات العاجلة لسكان غزة.
غزة تحتاج إلى تحرك دولي عاجل وحاسم، يتجاوز البيانات والإدانات إلى أفعال ملموسة، هذه الفزعة الدولية يجب أن تشمل:
1- فتح المعابر الحدودية بشكل دائم لضمان تدفق المساعدات الإنسانية، بما في ذلك الغذاء، الأدوية، والوقود، دون قيود أو تأخير.
2- حماية المدنيين، وإنشاء قوة حماية دولية تحت إشراف الأمم المتحدة لحماية المدنيين، وضمان سلامة توزيع المساعدات، كما اقترحت منظمة "DAWN" في مارس 2024.
3- دعم إعادة الإعمار، إذ تقدير البنك الدولي والأمم المتحدة أن إعادة إعمار غزة تتطلب 53.2 مليار دولار، يجب على المجتمع الدولي تقديم الدعم المالي واللوجستي لإعادة بناء البنية التحتية المدمرة.
4- الضغط السياسي على إسرائيل لرفع الحصار وووقف الاعتداءات، مع دعم حل الدولتين كخطوة نحو السلام العادل والدائم.
المجتمع الدولي، بما في ذلك الدول العربية والغربية، يتحمل مسؤولية أخلاقية وقانونية تجاه ما يحدث في غزة.
مصر، على سبيل المثال، ادت دوراً محورياً في تسهيل دخول المساعدات ووساطة المفاوضات، لكنها لا تستطيع تحمل هذا العبء بمفردها.
الدول الأوروبية، التي أبدت بعضها مواقف داعمة لوقف إطلاق النار، يجب أن تتحرك نحو فرض عقوبات ديبلوماسية واقتصادية على إسرائيل، إذا استمر الحصار. كما يجب على الولايات المتحدة، كونها الداعم الأكبر لإسرائيل، أن تستخدم نفوذها للضغط من أجل إنهاء الأزمة.
غزة ليست مجرد اسم على الخريطة، بل هي قضية إنسانية تستحق أن تكون في صدارة اهتمامات العالم، والفزعة الدولية المطلوبة ليست مجرد مساعدات موقتة، بل تحرك شامل يضمن الحياة الكريمة لأهل غزة، ويضع حدًا للظلم المستمر، فلنعمل معاً، قبل أن تتحول دموع الجوع إلى صمت الموت.
كاتب صحافي