في خطوة طال انتظارها، أعلنت وزارة التعليم العالي اخيراً برنامج ابتعاث جديد، يستهدف خريجي الثانوية العامة الكويتيين لدراسة تخصصات ريادة الأعمال، والذكاء الاصطناعي في أرقى الجامعات العالمية، عبر البعثات الخارجية.
تُعد هذه المبادرة بمثابة نقطة تحول في التوجه الستراتيجي للدولة نحو اقتصاد معرفي متقدم قائم على الابتكار والتكنولوجيا.
ويأتي هذا القرار في وقت يشهد فيه العالم تحولات غير مسبوقة بفعل الثورة الصناعية الرابعة، فيها أصبح الذكاء الاصطناعي محركاً رئيساً للنمو الاقتصادي، وصارت ريادة الأعمال أداة أساسية لتحفيز الابتكار وخلق الوظائف، وبالتالي فإن الاستثمار في هذه المجالات يُعد ضرورة مُلحة، وليست ترفاً خصوصاً في ظل التحديات التي تواجه سوق العمل الكويتي من بطالة مقنعة، واعتماد مفرط على القطاع العام.
فـ"الذكاء الاصطناعي" أداة لتحديث القطاعات التقليدية من خلال ابتعاث خريجين متخصصين في هذا المجال، لا سيما أن تسعى الدولة إلى إدخال تقنيات الذكاء في القطاعات الحيوية، مثل النفط، والرعاية الصحية، والتعليم، والخدمات المالية، ويمكن لهذه التقنيات أن تُحدث ثورة في طرق التشغيل، وتحسين الكفاءة، وتخفيض التكاليف، مما يعزز التنافسية والإنتاجية في هذه القطاعات.
ولطالما اعتمد الشباب الكويتي على التوظيف الحكومي كمصدر رئيسٍ للرزق، لكن مع تعزيز ثقافة ريادة الأعمال عبر هذا الابتعاث، يمكن أن يؤدي إلى بناء جيل جديد من الشباب الطموح القادر على خلق فرص عمل لنفسه ولغيره، وتأسيس مشاريع صغيرة ومتوسطة، تسهم في تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط.
ولهذا من المنتظر أن تظهر نتائج هذا القرار خلال السنوات القليلة المقبلة، حين يبدأ العائدون من الابتعاث في إدخال مفاهيم جديدة في بيئة العمل الكويتية، والمساهمة في تطوير البنية التحتية الرقمية، وإطلاق مشاريع تقنية مبتكرة، كما ستؤدي هذه المبادرة دوراً حاسماً في تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتشجيع الاستثمار في مجالات الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة.
لقد أحسنت وزارة التعليم العالي صنعاً بهذا القرار الطموح، الذي يُعد استثماراً ذكياً في العقول الكويتية الشابة، وإن تم تنفيذه بشكل مدروس ومتكامل، فسيكون له بالغ الأثر في إعادة تشكيل ملامح سوق العمل الكويتي، ونقل الاقتصاد الوطني من الاعتماد إلى الابتكار، في عصر تتسارع فيه الابتكارات وتتغير فيه ملامح سوق العمل بشكل جذري، حيث أصبح من الضروري إعادة النظر في التخصصات الأكاديمية التقليدية، وتقديم برامج تعليمية تواكب التحولات الرقمية العالمية.
إن الجمع بين ريادة الأعمال والذكاء الاصطناعي لا يعد مجرد تكامل بين مجالين، بل هو أساس لصناعة قادة قادرين على ابتكار حلول تقنية، وتحويل الأفكار الإبداعية إلى مشاريع ريادية تحدث فرقا حقيقيا في المجتمع.
استاذ اكاديمي متخصص في ريادة الأعمال والذكاء الاصطناعي