تُعتبر فنلندا وجهة التربويين المحدثين، منذ سنوات قليلة فقط؛ على اعتبار أنها الدولة الأكثر نجاحاً في مجال التعليم في المدارس، الحكومية والأهلية الخاصة اليوم، باعتراف العالم أجمع.
ووفق ما يقول الأب الروحي للتعليم الفلندي الحديث الدكتور باسي سالبرغ فإن نهضة التعليم في فنلندا واستحقاقه؛ ليكون نموذجاً رائعاً طيباً يُحتذى به في الدول الراغبة في إصلاح، أساس تعليم طلابها وطالباتها في جميع المراحل الدراسية، مردّه نجاح رجال التربية والتعليم الفنلديين في التخلّص من الجراثيم الستة المدمرة للتعليم، وهي:
تكثيف المواد، كثرة الاختبارات والواجبات، إطالة أوقات الدوام، الدراسة المنزلية، الدروس الخصوصية، وأخيراً جرثومة المواد المعقِّدة، والمعقَّدة.
وأودُّ هنا، تسليط الضوء على الجرثومة الأخيرة، التي نعاني منها نحن العاملين أو المعنيين بالمجال التعليمي،سواء كنا مدرسين أو متلقّين (طلاب وطالبات)، وهي المواد المعقدة التي لا ينتفع منها الطالب (المتلقن) أو الدارس، لأنها لا تنفعه في واقعه المعيشي، أقصد في حياته الخاصة والعامة، أو في إشباع ميوله واتجاهاته، وهي ما يُطلق عليها الأب الروحي للتعليم الفنلندي الناهض الدكتورسالبرغ "المعلومات المعزولة"، ويعني بها المعلومات التفصيلية التي لا يتداولها إلّا أهل التخصص الدقيق في المادة.
ومن المؤسف، أن هذه المواد مغرقة بالتفاصيل المسهبة، التي لا يحتاج لها الطالب في دراسته؛ فهي تضيّع وقته وجهده وقدراته في ما لا طائل، ولا فائدة من ورائها في تقويم لسان، أو في فهم معنى، وينساها بعد الامتحان فيها -إنْ فهمها - وخير مثال على هذه المعلومات المعزولة في كتبنا العربية كما أراها كمدرّس قديم.
العديد من قواعد النحو والصرف، وفنون البلاغة التي ندرّسها لطلابنا في المرحلة الثانوية، فمعظمها صعبة الاستيعاب والتطبيق الحياتي (المعيشي)، إذن؛ لماذا ندرّس القواعد النحوية الصعبة الوعرة، والفنون البلاغية المعجزة؟
أليس من الأفضل للطلبة تدريبهم على القراءة السليمة المعبّرة عن المعنى، أو الممثّلة للمعنى، والكتابة المؤثّرة، الممتعة، وتدريس قواعد نحوية تقوّي تعبيره الشفهي والتحريري، مثل: جملة الفعل والفاعل، وجملة المبتدأ والخبر، وما إليهما.
الخلاصة: كُتب قواعد النحو والصرف لجميع الصفوف من السابع حتى الثاني عشر في مدارسنا، العامة والخاصة، وكذلك كتب فنون البلاغة العربية مليئة، ومنذ سنوات طوال بالموضوعات الوعرة الصعبة، التي يمكن تصنيفها وفق المفهوم التعليمي الفنلدي الرائع بالموضوعات، أو المواد المعزولة عن حياة الطالب المعيشية والعملية، وآن الآوان لتخليص طلابنا من عناء درسها والامتحان فيها. وكما وضعنا إملاءً مدرسيا غير الإملاء القرآني، علينا أن نضع نحواً مدرسياً، وفنون بلاغة مدرسية، غير النحو القرآني والبلاغة القرآنية المعجِزة، لمعظمنا نحن المدرّسين للعربية الحديثة، ولمعظم طلبة مدارسنا المحدثين.
كاتب فلسطيني