إلى اليوم يكون قد مر على إيقاف خدمات "عافية"، نحو سنة، وفي وقتها كان هناك من يؤيد، استناداً إلى التخفيف على المال العام، ومن عارض باعتبار أن هذا النظام وفر الكثير على المتقاعدين، وسمح بعلاجهم من دون انتظار مواعيد، قد تكون احيانا طويلة الامد.
ربما من كان يؤيد ايقاف هذه الخدمات يستند على نظرة مرحلية، اما المعارض فكانت لديه نظرة للمستقبل، اهمها أن المتقاعد يحتاج إلى عناية كبيرة، وهو لا يستطيع الانتظار، وقد اثبتت الكثير من الحالات ذلك.
اما الحجة أن الطاقة الاستيعابية للمنظومة الصحية الحكومية لم تعد تكفي، فإن ذلك لا يعني التخلي عنها، ففي النهاية عليها التعامل من العلاجات بكفاءة، وفي الوقت نفسه يجب أن تكون هناك نظرة تنموية، مع التزايد السكاني الطبيعي، اضافة إلى الاستفادة من القطاع الخاص في هذا الشأن، أسوة بدول العالم كافة، مع مراعاة الحالات المستعصية، التي تتطلب مهارة، وجودة، وكذلك التخفيف عن كاهل المواطن، لا سيما كبار السن، والمتقاعدين، الذين لهم حقوق لا يجب الانتقاص منها.
اليوم بدأت تتكشف اضرار وقف برنامج "عافية"، وهنا لا نحمل وزارة الصحة المسؤولية، فمن الوزير إلى اصغر موظف يؤدون دورهم على اكمل وجه، إنما لا بد من وضع النقاط على الحروف، في شأن يتصل مباشرة صحة المواطن.
ورغم أن الاحصاءات كشفت عن أن عدد سكان الكويت وصل إلى خمسة ملايين نسمة، فهذا لا يعني التخلي عن احد، فالجميع لهم الحق بالحصول على العلاج، من دون تفرقة، ما يعني أن تكون هناك خطة تنموية صحيحة، وفي الوقت نفسه، العمل على عدم الاضرار بصحة الناس.
هناك الكثير من النماذج بهذا الشأن، والضرر الذي اصاب الكثير من المتقاعدين، ومنها مواطن مصاب بالسرطان، ومشكورة الدولة انها ارسلته للعلاج في الخارج، وعندما توقفت خدمات "عافية" تبرع أهله كي يستكمل علاجه في البلد الموجود فيه.
بعد فترة نصح الاطباء أن يستكمل علاجه في الكويت، ولأن حالته حساسة، نصحوا بأن يُنقل الى العزل الطبي، لكن حين عودته نقل إلى مستشفى حكومي، ليس للمريض ملف فيه، ولا يملك امكانات لمتابعة هذه الحالات، ووضع في غرفة عمومية، بدلا من خاصة معزولة، فبعد يوم واحد انتكس، فجرى تحويله إلى مستشفى متخصص، حينها بدأ الاطباء يسألون اهله عن حالته، وثمة الكثير من الاسئلة الطبية المتخصصة طرحت عليهم، في محاولة لإنقاذ ما يمكن انقاذه، كما حول إلى العناية المركزة، رغم انه تحت اشراف المحلق الصحي.
هذه الامور العلاجية بديهيات، وكان من الاولى أن تكون مأخوذة بعين الاعتبار منذ البدء، لكن الاداء، بسبب الضغط الكبير على المنظومة الصحية، كان السبب باساءة التقدير، والغرف المعزولة يجب ان تكون متوافرة لمثل هذه الحالات، لكن كما اسلفنا، فإن عدم وجود رؤية شامل للمستقبل، والاكتفاء بما هو متاح شكل ضغطاً مضاعفاً.
إذن الطاقة الاستيعابية للخدمات الصحية لن تستوعب هذه الاعداد، لذا يجب تشغيل القطاع الخاص، الذي يخفف الكثير من ذلك، وعلى هذا الاساس فإن الغاء "عافية" ادى إلى سوء الخدمات الصحية، وبالتالي جلب ضرراً اكبر على صحة المواطنين.
لذا ما نرجوه إلا يكون هناك تمسكاً برأي خاطىء ينتج عنه تقصير في الحقوق الطبيعية للمواطنين، وهذا يتطلب قدرة على التصحيح، لأن احياناً لا تظهر الاخطاء الا بالتجربة، وبعد نحو سنة من ايقاف "عافية" لا بد من مراجعة المكاسب، إذا كانت هناك مكاسب، والفوائد التي كانت متاحة للمواطن والدولة معا.