التطورات المتسارعة في محافظة السويداء السورية، تؤكد أن المخططات الخارجية تسير على قدم وساق وفق السيناريو الموضوع في إطار الأجندة "المسرحية" التي تتوالى فصولها، بإخراج متقن، وتمثيل بارع، وحبكة دقيقة.
الغرب ومنذ نهاية القرن الثامن عشر هو من صنع تاريخ هذه المنطقة، ليس هذه المنطقة فقط، بل قسم كبير من العالم، وحدد المعالم والواقع وقسم، ووضع الحدود وصنع الكيانات ومنها الكيان الصهيوني، القاعدة المتقدمة له في منطقتنا العربية.
الآن، بالعودة إلى موضوعنا الرئيسي فإن ما جرى في سورية، وفي السويداء، يسير ضمن المخطط المرسوم، والذي هو عبارة عن مسرحية متنقلة، تتشارك الدول ذات المصالح في إدارتها، وتتابع فصولها كل مرة، في زمان ومكان وأحداث مختلفة، لتحقيق مصالح تلك الدول ومخططاتها.
ما حصل في السويداء أخيراً، وقبلها في أشرفية صحنايا وجرمانا، وفي الساحل السوري أيضا، وما تخللها من اعتداءات على الكنائس ودور العبادة، حتى على المطاعم والناس الآمنة، كله يدخل ضمن هذه اللعبة المسرحية الهزيلة الهادفة إلى خلق الفتن، وإثارة النعرات وأعمال العنف، والاقتتال لتسهيل التمزيق والتقسيم.
وما أدل على ذلك ما جرى ويجري على أرض محافظة السويداء، وما رافقه من قتل ودمار وسلب ونهب تحت أنظار، وبرعاية من يحييك فصول المسرحية، من لاعبين أساسيين من الدول والكيانات، والمجموعات ذات المصالح والغايات.
الغريب أن أحداً لم يفكر او يتساءل عمن أعطى الأوامر ببدء تلك الأحداث، ومن تابع تنفيذها ونسق بشأنها، ومن أمر في النهاية بإيقافها، وإن أحدا لم يفكر في توقيتها وأسبابها ودلالاتها؟
لقد باتت الأمور واضحة، ومن المؤكد أن الدول الفاعلة، والغرب، والكيان الصهيوني لن يسمحوا لأي جهة من الجهات المتصارعة في سورية أن تنتصر، ولن يسعدهم استتباب الأمن والهدوء وسيادة الوئام والسلام، لأن هدفهم عكس ذلك، وهو تفريق المجتمع، والقضاء على الُلحمة الوطنية، وتقسيم الوطن وتفتيته، وجر الجماعات إلى طلب الاحتماء بالأجنبي، والمطالبة بالانفصال عن بعض، وهذا غير مقبول من أي مكون أو فئة من فئات المجتمع السوري، التي تتعايش مع بعض وتتناغم، ولا يمكن لأحد منها الاستغناء عن الآخر.
الفصول والمشاهد المقبلة من هذه المسرحية مرعبة، والمخطط أكبر مما نتخيل، فليس مصادفة أن تأتي أحداث السويداء بعد "اجتماع أذربيجان"، الذي كان يتوقع منه صياغة اتفاقية سلام بين سورية والكيان الصهيوني.
نحن بحاجة إلى صحوة ووقفة جماعية، لأننا جميعنا مستهدفون، والكيان ماض في مشروعه الرامي للتقسيم، وخلق كانتونات في المنطقة، ويبدو أن العملية لا تقتصر على السويداء والجنوب السوري، بل يوجد مخططات لضرب سورية ولبنان، واشعال حروب طائفية وأهلية قد تنتشر إلى باقي دول المنطقة، وللأسف الشديد بمشاركة وبأيدي أبناء المنطقة.
من خرج رابحا من معركة السويداء بلا شك، هو الدول اللاعبة وذات المصالح في سورية، وعلى رأسها الكيان الصهيوني، أما الخاسر الأكبر فهو الوطن والحكومة، والشعب السوري المغيب، واللاهي بفبركة الأخبار، ونشر الإشاعات، وكيل الاتهامات لبعضه بعضاً، والتهجم على بعضه بعضاً عبر المنصات الإعلامية ومواقع التواصل، بينما الدول والكيانات والمجاميع التي تعمل ضد سورية تشحن وتنشر خطابات الكراهية والحقد، وتأجيج المشاعر، من خلال فبركة عشرات الآلاف من المقاطع، معظمها غير حقيقية إما صورت في حقبة سابقة أو تم فبركتها بواسطة الذكاء الاصطناعي.
في النهاية من دفع ويدفع الثمن هم البسطاء المهمشون من السوريين الذين سيدفعون المزيد، إذا لم يثيبوا إلى رشدهم، ولم يحكموا العقل ويتكاتفوا ويعملوا معا لإيقاف هذه المسرحية ومواجهة المخططات الخارجية.
كاتب سوري