السبت 02 أغسطس 2025
42°C
تم نسخ الرابط بنجاح
لا تشير... لا تستشير!
لا تشير... لا تستشير! حكمة الشايب بعد عمر طويل.
قالها الشايب اليوم بلا مقدمات، وهو يصب الفنجال، ويطالع الجدران، كأن بينه وبينها سالفة قديمة: "بعد هالعمر الطويل، وبعد ما انصقلت من الحياة صقل المسنّة القديمة على حجر الوادي... يسعدني أقول لكم إني وصلت لنتيجة ذهبية: خل الطناش على يمينك... ترتاح أبد الدهر" .
وبنبرة اللي جرب الناس وملّ منهم، أكمل:"علمتني الحياة إنّ أحسن شي تسويه إذا شفت شي ما يعجبك... إنك تبلعها، وتسكت وتقول في نفسك: مالك دخل...مو شغلك... طنّش تعش.
لأنك لو فتحت فمك، يا إنك بتقول كلمة تنقلب عليك، يا تطلع لك ردود من نوع:
– وش دخلك؟
– أحد طلب رأيك يا ملقوف؟
– يا أخي خلّني أتهنّى بغبائي!
وتلقى نفسك فجأة داخل حفرة، ما تقدر تطلع منها، ولا ينفعك الترقيع وقتها: أنا بس ناصح... ما كان قصدي".
قال الرجل، وهو متكّي على مركاه، يطالع الفنجال، كأنه يشكي له: "صارت لي مرّة، واحد عزيز عليَّ طلب رأيي عقب ما تورّط، ويوم قلت له رأيي اللي ما عجبه، رد عليّ: إنت وش عرفك؟ عاد من يومها قررت أطقّ الطناش، مثل ما يطق الدلال الطين".
هنا تدخّل الخبير، وهو يتذوق القهوة من فنجاله، وقال بنبرة من يحذر من فيروس منتشر: "الدنيا بقت غريبة يا جماعة، الناس كلها بقت تفهم في كل حاجة، مش مستحملين نصيحة، عايشين بدور أبو العريف".
الشايب لوّح بيده، وقال بحماس العارفين: "ياليت أبو الشباب يمر الخطاطين، ويجيب لنا لوحة نعلّقها بصدر الديوانية، بمسمار فولاذي، مكتوب فيها بيت شعر من أشعار الشاعرة الدقيس: من لا استشارك لا تبدي له الشور... ومن لا يودك نور عينك فراقه".
ثم التفت صوب الباب، كأنّه يخاطب القارئ مباشرة: "خذها مني نصيحة أبويّة مجّانية: إذا شفت واحد غارق في الغلط ومبسوط... لا تخرب عليه مزاجه بالنصيحة، خلّه يعيش وهمه بسلام، وسلامتكم".
المتمولس كالعادة يختم الجلسة بشي خارج المألوف، وقال:
"صج الناس أجناس! خذ عندك: الأميركي إذا خلص من دكتور الأسنان يقول: شكرا.
الألماني يقول: كم انت رائع!
أما الكويتي، يسأل بكل براءة: دكتور متى آكـــل"؟
وقبل لا يرد عليه أحد، ارتفعت فوق رؤوسنا نغمة الرحمة، لما صدح صوت الشيخ زغلول برفع أذان الظهر.
ولأننا لا ننسى ما هو أهم، فإن غزة ليست مسلسلاً نتابعه، بل هي حُجّة لنا أو علينا، سنُسأل عنها يوم القيامة.
كاتب كويتي