السبت 02 أغسطس 2025
41°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
التجويع... والصمت!
play icon
كل الآراء

التجويع... والصمت!

Time
الأحد 27 يوليو 2025
د.سامي العدواني

لم يعد الجوع في زمن الحروب، مجرد نتيجة تفرزها استحقاقات المواجهة، لكنه أصبح سلاحاً ممنهجاً، يُستخدم بوعي تام، وتُدار عملياته بمنطق بارد باهت، يملأك الذهول وأنت ترى هذا الإمعان في الطغيان، والتعري الفاضح من قوانين الحرب، فضلاً عن أخلاقياتها.

في غزة، لا يُستهدف الناس بالقنابل فقط، بل بالمجاعة حين يُمنع الغذاء، وتُدمّر الأجواء، وتُقصف المخابز وتُغلق المعابر، وتُمنع الإعانات و المساعدات… هذه ليست صدفاً، إنما سياسة حصار محكمة تُمارس منذ شهور في وضح النهار، تحت سمع العالم وبصره.

منذ 2 مارس الماضي، تم حظر دخول أي مساعدات إلى غزة، وهو ما أدى لارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة تصل إلى 1.400 في المئة، ونفاذ مخزون الخبز، وتوقفت مئات المطابخ التي كانت تقدّم الطعام الساخن لملايين الناس.

كذلك، سجّلت مراصد "أطباء العالم" معدلات سوء تغذية عالية جداً، في بعض العيادات، بلغت نسبة الأطفال المصابين بسوء الغذاء نحو 25 في المئة في أبريل، بينما عانى نحو 19 في المئة من النساء الحوامل، والمرضعات، من سوء تغذية حاد.

تقارير المنظمات الإغاثية وثقت أن الأطفال والمسنين يموتون جوعاً على سبيل المثال في يوليو فقط سُجّلت 46 وفاة مرتبطة بالجوع، ومنذ بدء التصعيد، منها أكثر من 80 طفلاً منذ بدء التصعيد بعد أكتوبر 2023، مما يرفع إجمالي القتلى بسبب سوء التغذية إلى 111 شخصاً، كما وصفت الأمم المتحدة الوضع بأنه "ما وراء الكلمات"، مع وفاة العشرات من الناس أثناء محاولتهم الوصول إلى مراكز المساعدات، جراء إطلاق الرصاص عليهم، أو الازدحام على أبواب التوزيع.

"اليونيسف" أعلنت أن أكثر من نصف أطفال غزة يعانون من سوء تغذية حادز

هذه الإحصاءات ما عادت ستصرخ بما يكفي، ولا عادت تنقل لنا وجع أم تُرضع طفلها ماءً، ولا قهر أبٍ يطهو الحصى ليخدع صغاره بالجوع، هنا، التجويع لا يضعف فقط الأجساد، بل يطعن الكرامة في خاصرتها، ويسحق الروح في مهدها.

والأخطر من ذلك أن التجويع لا يحتاج إلى قذائف،لذا على العالم أن يتحرك الآن بفتح المعابر، والسماح بدخول المساعدات، وحماية المراكز الطبية والإنسانية، حتى وإن تحقق الهدوء السياسي، فإن أغلى شيء في النهاية هو الإنسان، واستعادة كرامته.

إن من يراهن على كسر إرادة الغزّيين عبر التجويع، لا يعرف أن الشعوب التي ذاقت الجوع لا تنكسر، بل تُخلّد فيها ذاكرة لا تُنسى، وكرامة لا تُشترى، وإرادة لا تُقهر.

نحن اليوم أمام لحظة اختبار أخلاقي عالمي.

أن نرى أطفال غزة يتضوّرون جوعاً ولا نتحرك، فهذه ليست مسألة سياسة، بل انهيار في تعريفنا للإنسانية.

وكل صوت، كل مشاركة، كل تبرّع، كل كلمة… هي خيط نور في عتمة هذا الحصار.

التجويع جريمة، لكن الصمت جريمة أعظم!

خبير استدامة

[email protected]

آخر الأخبار