مختصر مفيد
سيطر نظام بشار الأسد على نحو ثلثي مساحة سورية، وظن الجميع أن هذا الرجل القوي سيبقى في السلطة، لكن بعد يوم الأحد 8 ديسمبر 2024، وبعد هجوم مفاجئ شنته جماعة "هيئة تحرير الشام" لمدة عشرة أيام، لم يُظهرالجيش السوري مقاومة، فقد تخلى جنوده عن مواقعهم، وخلعوا زيهم العسكري، فيما سيطر المتمردون على الأراضي السورية، وعلى دمشق دون قتال، أما الأسد ففر هاربا إلى موسكو، حتى المعارضة السورية فوجئت بما حدث.
إن انهيار الجيش السوري أمام تقدم المتمردين، مثال على ما يحدث للجيوش القوية ظاهرياً لكنها هشة داخليا، مما أثار استغراب الجميع.
في أفغانستان عام 2021، انهار الجيش الأفغاني مع صعود طالبان إلى السلطة، واستولى المتمردون "الحوثيون" في اليمن على العاصمة صنعاء في غضون أيام قليلة، وسرعان ما أطاحوا بحكومة عبد ربه منصورهادي، الذي فر إلى السعودية.
في أماكن أبعد، تكررت الظاهرة نفسها في جمهورية أفريقيا الوسطى عام 2013، عندما أطاح المتمردون بالحكومة، فيما فرّ رئيس البلاد إلى الكاميرون.
وفي زائير، انهارت قوات موبوتو سيسي سيكو عام 1997 بعد تمرد شرق البلاد، ومع اقتراب المتمردين من قصره فر هاربا إلى المغرب.
ينهار جيش الدولة لثلاثة أسباب: الإقصاء العرقي، الفساد، غياب الدعم الخارجي.
حول الإقصاء العرقي، فغالبا ما تجند الحكومات جيوشها بأبناء عرقها، لتحصين النظام من الانقلابات، وهذه الممارسة تولد استياء خارج الجيش.
في زائير، كان نصف جنرالات الجيش ينحدرون من مقاطعة موبوتو، وكان ثلثهم من رفاقه في جماعته العرقية، وفي اليمن تم تهميش جماعة الحوثيين في عهد الرئيس عبد ربه منصور هادي، وهمش الجيش العراقي طائفة السّنة في عهد نوري المالكي رئيس الوزراء.
وفي سورية، كان نحو 70 في المئة من الجنود، و80 في المئة من الضباط من الطائفة العلوية، التي ينتمي إليها الأسد.
ثم هناك الفساد، عاملٌ مُهلكٌ يُضعف الجيوش، فغالباً ما تعجز الحكومات الضعيفة عن توفير الرواتب اللازمة لكسب ولاء قواتها، فتتساهل مع الفساد، أو تُشجعه دون قصد.
ففي زائير شجع موبوتو أتباعه ذات مرة على "السرقة بذكاء، شيئاً فشيئاً"، وفي الجيوش اليمنية والعراقية والأفغانية، لم تُمنح الترقيات لأكثر الكفاءات تأهيلاً، بل لمن كانوا على استعداد لدفع رشاوى، وامتلأت قوائم الرواتب بآلاف "الجنود الوهميين"، وهي مناصب وهمية أٌنشئت لتمكين القادة من اختلاس الرواتب. وفي أفغانستان كان العديد من قادة الجيش يؤيدون فكر "طالبان" وولاؤهم لمن يدفع أكثر، وعندما اجتاحت الحركة البلاد عام 2021، لم تضطر إلى القتال في مناطق عديدة، كل ما كان عليها فعله هو رشوة مسؤولي الأمن، فاستسلمت القوات، وقال مسؤول أفغاني حول انهيار الجيش الأفغاني: "لم يُرد أحد الموت من أجل أشخاص ينهبون البلاد".
كان الجيش السوري يعاني من الفساد، بدءاً من تلقي رشاوى من السيارات المارة عبر نقاط التفتيش، وصولاً إلى مشروع بمليارات الدولارات يُنتج ويبيع الـ"كبتاغون"، ولم يكن وعد الأسد في اللحظة الأخيرة بزيادة رواتب جنوده كافيا لرفع الروح المعنوية.
وقد ينهار جيش الدولة لسبب خارجي، لا داخلي، وهو "فقدان الداعم الأجنبي"، فعادة ما تحتاج الحكومات الضعيفة إلى مساعدةٍ خارجية للحفاظ على سيطرتها على الأراضي، وتنهارعندما تسحب القوى الخارجية دعمها، فقد انهار جيش زائير عندما لم تعد اميركا بحاجة إلى موبوتو، وعندما كان الجيش اليمني على وشك الانهيار، رفضت اميركا دعمه أمام الحوثيين، وفي العراق وأفغانستان، كان انسحاب القوات الأميركية هو الذي عجّل بانهيار الجيش، وانهار الجيش السوري لانخفاض الدعم الخارجي، فقد انشغلت روسيا عنه في أوكرانيا، وتعرض حليفه "حزب الله" لضربات إسرائيلية ضده في لبنان، بما في ذلك هجوم "جهاز النداء" المتفجر، أما إيران، فسحبت قواتها العسكرية بسرعة من سورية.
[email protected]