السبت 02 أغسطس 2025
43°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
تأمل في هامشية القامع المُستَخدم سياق صهيوني مزراحي
play icon
كل الآراء

تأمل في هامشية القامع المُستَخدم سياق صهيوني مزراحي

Time
الاثنين 28 يوليو 2025
قيس الجوعان

قصيدة، وتأمل في مآلات التهميش العسكري، والاستعمار الطبقي في سياق صهيوني مزراحي، فهذه الأبيات لا تُشمت، ولا تُرثي فقط، بل تُسائل وتُفكّك.

ففي خلفيتها حادثتان متباعدتان زمنياً، متشابهتان رمزياً:

الأولى، مقتل مجنّدات شابات، غالبيتهن من أصول "مزراحية"، في قاطرة عسكرية كنّ فيها إما ذاهبات أو عائدات من مهمة؛ والثانية، مقتل مجندة إسرائيلية خلال تنفيذ عملية هدم بيت فلسطيني، بعد أن انهار عليها البناء ذاته.

وفي كلتا الحالتين، لا يدين النصّ القتلى، بل يتوقّف عند بنية الظلم المركّب التي أرسلتهم للموت، حيث تتحوّل المهمّشات إلى أدوات في جهاز القمع، دون أن يمنحهن ذلك اعترافاً، ولا علواً، ولا حصانة من الجحيم الذي شاركن – قسراً أو جهلاً – في صنعه.

إنه نصّ عن مَن جُرنَ بين التهميش والتمكين، بين الهوية المصادَرة والسلاح المُستعار.

عن شاباتٍ شُطِبن من سردية شعبهنّ الأصلي، ثم أُقحمن قسراً في رواية لا تعترف بهنّ، إلا إذا حملنَ درعاً أو سلاحاً ضد من يشبهنهنّ تاريخاً ودماً.

هكذا لا يُشبه الموتُ هنا الشهادة، ولا المأساة المجد.

بل هو تراجيديا مضاعفة، تُختصر في سؤال أخلاقي مرير:

ما مصيرُ مَن وضع يده في يد جلّاده، على أمل أن يُعترف به بعد أن يُستَخدم؟

الأبيات تسبر هذا الغياب، وتواجهك بحقيقة أن الدم لا يُنسى، والذكرى لا تُمحى، والخرائط لا تبرّئ القاتل مهما غيّر خطوطها

"ما كلُّ مَن حملَ الذُلَّ انتصَرَ بهِ،

قد يُستَعارُ، ويُنسى، ثم يُنكَرِ"

$ $ $

القصيدة

"أرأيتَ غزةَ والأيامُ ترفُضُها؟

كأنها العُمرُ في أكفانِ مُنحدِرِ

جاعتْ، وما زلزلت جوعاً كواهلُهم،

لكنْ كفاها رميمُ الخبزِ والحَجَرِ

تأتي المجازرُ في أسمالِ منطقهم،

وفي السياسةِ يُمحى كلُّ معتذِرِ

لا صوتَ إلا عواءُ النارِ إن شهقَتْ

روحُ الطفولةِ في قصفٍ بلا وَطَرِ

أرَأيْتَ ما صَنَعَتْ أكُفُّ صِباً غُرٍّ؟

أُرسِلْنَ للحَتفِ في قِفارٍ بلا دَرَرِ

ما بينَ دربٍ إلى النِسيانِ مُلتبِسٍ،

وما أفاقتْ على قومٍ ولا وَطَرِ

هُنَّ اللواتِي لهنَّ الأصلُ من عَرَبٍ،

لكنْ شُطِبنَ عن التاريخِ كالسَّقَرِ

سَعَيْنَ في قومِهنَّ يُرجينَ مَنزلةً،

فماتَ في دربِها الاسمُ والمفتَخَرِ

ألبَسْنَهُنَّ دروعَ الحربِ فانكسرَتْ،

وما كُسيتْ بالعُلا يومًا ولا ظَفَرِ

جئنَ لأرضٍ تُنادينا على وَجَعٍ،

فلم يُجِبنْ، فكانَ القَبرُ في الحَجَرِ

ضلَّتْ خُطاهُنّ في سُلمٍ بلا سلَمٍ،

وماتَ فيهنَّ ما يَبقَى من البَشَرِ

أشكانُها من حَصى التاريخِ ما فهِموا،

فاستوطَنوا الأرضَ واستُبيحَ بالظَّفَرِ

لا من دَناهم بدينٍ قد سَلِمْ، ولا

مِن نَسْلِ آدمَ مَن نالوا من الحَذَرِ

قد ظنّوا القتلَ يُنسي مَن تعرّضَ لـهُ،

لكنّ للدمِ في الأوطانِ مُنتظَرِ

ما محوُ ذِكرى بريءٍ من خرائطِهم،

إلا كمن يُطفئُ النيرانَ بالقَطَرِ".

هذا النص يُدرج ضمن ما يمكن تسميته بـ"أدب التفكيك الأخلاقي للمأساة الممنهجة"، حيث لا يُمنح القارئ امتياز الراحة الشعورية، فلا شماتة تُرضيه، ولا رثاء يُسكّنه، بل يُدفع إلى موضع المساءلة.

هو شعرٌ ضدّ الجُبن السياسي وضدّ البكائيات المريحة، يكتب من داخل الجرح، لا ليرمم السردية، بل ليفضح من كتبها، ومَن سقطَ بين حروفها، ومَن حاول طمس حبرها بالدم.

هو شعرُ الهوامش التي استُخدمت ثم نُكرت، وشعرُ الضحية التي، حين استعارت يد الجلاد، اكتشفت أن الحجر يعرف الأصل.

لا يحمل هذا النص تحريضاً على العنف، ولا شماتة في الموتى، بل يركّز على البنية غير العادلة التي تدفع بالفقراء والمهمشين ليكونوا أدوات قتل ضمن أنظمة استعمارية أو طبقية تنكرهم بعد أن تستثمر في قمعهم.

إنه تفكيكٌ أخلاقي لبنية الاستعمار حين تُعيد إنتاج العنف على يد من سُلِبوا الذاكرة والهوية، وهو دعوة صريحة لإعادة النظر في آليات التجنيد، الإقصاء، وتوزيع المهام العسكرية في دولة تبني قوتها على تهميش جماعة واستخدامها لقمع أخرى.

آخر الأخبار