في الثاني من أغسطس عام 1990، استيقظ العالم على حدث صادم غيّر مجرى التاريخ في الخليج العربي، حيث اجتاحت القوات العراقية بقيادة نظام صدام حسين دولة الكويت، في غزو عسكري خاطف.
هذه الذكرى الأليمة، التي تُعرف بـ"غزو الكويت"، لا تزال راسخة في ذاكرة الشعب الكويتي والأمة العربية، كرمز للظلم والمعاناة، لكن أيضاً كدليل على صمود الإنسان، وقوة الإرادة في مواجهة المحن.
تأتي جذور هذا الصراع من مزيج معقد من العوامل السياسية والاقتصادية والتاريخية. كان العراق، الذي خرج لتوه من حرب استمرت ثماني سنوات مع إيران (1980-1988)، يعاني من أزمة اقتصادية خانقة نتيجة الديون المتراكمة، وانخفاض أسعار النفط، فزعم النظام العراقي أن الكويت تتجاوز حصتها في إنتاج النفط ضمن منظمة "أوبك"، مما يؤثر سلباً على الاقتصاد العراقي، كما أثار قضايا حدودية تاريخية، متهماً الكويت بالاستيلاء على حقول نفطية في منطقة الرميلة.
رغم ذلك، فإن هذه الذرائع لم تكن سوى غطاء لأطماع النظام في ضم الكويت، التي كانت تُعتبر واحدة من أغنى الدول النفطية في المنطقة. في فجر الثاني من أغسطس، عبرت القوات العراقية الحدود الكويتية، لتبدأ فصلاً مظلماً من الاحتلال استمر سبعة أشهر.
خلال الاحتلال، عانى الشعب الكويتي من ويلات الظلم والقمع، شهدت البلاد عمليات نهب منظمة للممتلكات، واعتقالات تعسفية، وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
كما جرى تدمير البنية التحتية، وتعرضت المؤسسات الحكومية والخاصة للسرقة والتخريب، أُحرقت آبار النفط، في واحدة من أكبر الكوارث البيئية في التاريخ، حيث غطت سحب الدخان الأسود سماء المنطقة لأشهر.
رغم هذه المآسي، أظهر الشعب الكويتي صموداً أسطورياً، وتشكلت المقاومة الشعبية التي قاومت الاحتلال بكل الوسائل المتاحة، سواء من عبر العمليات السرية، أو نشر الوعي بين المواطنين.
ادت هذه المقاومة دوراً مهماً في الحفاظ على روح الأمل والتحدي، حتى تحقق التحرير في 26 فبراير 1991، بفضل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في عملية "عاصفة الصحراء".
الذكرى الأليمة للغزو تحمل في طياتها دروساً عميقة، أولها أهمية الوحدة الوطنية في مواجهة التحديات، فقد أثبت الشعب الكويتي أن تماسكه وقوته الداخلية كانا سلاحاً لا يُضاهى.
ثانياً، أكدت هذه الأزمة على أهمية التضامن الدولي في مواجهة العدوان، فقد ساهمت الجهود الديبلوماسية والعسكرية للتحالف الدولي في استعادة الحق.
وأخيراً، تُذكّرنا هذه الذكرى بضرورة السعي للسلام والاستقرار في المنطقة، بعيداً عن الصراعات والأطماع. الكويت بعد التحرير، بدأت رحلة إعادة الإعمار بجهود جبارة، وقد استعادت مكانتها كدولة مزدهرة وفاعلة في المجتمع الدولي.
لكن الجرح النفسي والمادي الذي خلفه الغزو لا يزال موجوداً في ذاكرة الأجيال، يُحيي الكويتيون هذه الذكرى سنوياً ليس فقط لاستذكار الألم، بل لتجديد العهد على حماية الوطن والحفاظ على سيادته واستقلاله.
الذكرى الأليمة لغزو العراق للكويت ليست مجرد حدث تاريخي، بل هي درس حي في الصمود والتضحية، إنها تذكير دائم بقيمة الحرية والاستقلال، وأن الشعوب القوية قادرة على تجاوز أصعب التحديات.
فلنحيي ذكرى الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم دفاعاً عن الكويت، ولنتطلع إلى مستقبل يسوده السلام والتعاون بين الأمم، بعيداً عن الحروب والصراعات.
كاتب صحافي