قصص إسلامية
ما أعظمَ عتابَ ربِّ العالمين لعبده يوم القيامة، عندما يقول: "يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي قَالَ: يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلاَنٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي؟ يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلاَنٌ فَلَمْ تَسْقِهِ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي"(رواه مسلم).
أكثرُ من مليونيْ مسلم، محاصَرونَ منذ سنين، ثم اجتمعَ عليهم منذ اشهر الصهاينة، وأولياؤهم، قتلاً وتهجيراً وتجويعاً، فمن لم يمُت قَصفاً، ماتَ جُوعاً، يُنادُون إخوانهم في الدين أن يُطعموهم ويَسقوهم، لكن لا مُجيب!
لقدْ فعلها اللِّئامُ من كفار قريش يوماً، عندما أرادوا في السنة السابعة من البِعثة أن يقتلوا رسولَ الله (صلى الله عليه وسلم)، فأبى بنو هاشمٍ وبنو المطَّلِب ذلك، فعقدَ كفارُ قريشٍ عَقْداً وكتبوا به وثيقةً وعلَّقوها في جوف الكعبة أن يقاطعوا بني هاشم وبني المطَّلِب، ولا يناكِحُوهم، ولا يُبايعوهم، ولا يُجالسوهم، ولا يُخالطوهم، ولا يدخلوا بيوتهم، ولا يكلِّموهم، حتى يُسْلِموا إليهم رسولَ الله للقتل، فانحاز بنو هاشم وبنو المطَّلِب مؤمنُهم وكافرُهم (إلا أبا لهب) إلى شِعْب أبي طالب، واشتدَّ الحصار وقَطعت قريشٌ عنهمُ الطعام، حتى أكلَ النبيُّ وأصحابُه ورقَ الشجر، وكانت تُسْمَع صرَخات الأطفال من الجوع، وظلّوا على ذلك ثلاثَ سنوات.
يقول سعدُ بن أبي وقاص: "رَأَيْتُنِي سَابِعَ سَبْعَةٍ مَعَ النَّبِيِّ، مَا لَنَا طَعَامٌ إِلَّا وَرَقُ الحُبْلَةِ، أَوِ الحَبَلَةِ، حَتَّى يَضَعَ أَحَدُنَا مَا تَضَعُ الشَّاةُ". (رواه البخاري).
ويقول عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ: "لَقَدْ رَأَيْتُنِي سَابِعَ سَبْعَةٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ، مَا لَنَا طَعَامٌ إِلَّا وَرَقَ الشَّجَرِ حَتَّى قَرِحَتْ أَشْدَاقُنَا" (رواه مسلم).
وبعد ثلاثِ سنواتٍ من الحِصار والجوع، أَذِن اللهُ بالفَرَج، فتحرّكت مروءةُ بعض أهل الجاهلية، وقام خمسةٌ من أشرافهم تَؤزّرهم نَخوةُ العرب، وتحثُّهم صِلة الرَّحِم.
لقد كانت تلك الكلمةُ التي حركت ذوي المروءة من قريش مثلَ هشامِ بن عمرو والمُطْعِم بن عدي: "أَيْنَ أَنْتَ عَنْ إِخْوَانِكَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، جَوْعَى مَظْلُومِينَ مَحْصُورِينَ"؟
فقالوا لصناديدِ قريش ممن أعماهم الكفرُ عن مروءة العرب: "يا أهل مكة أنأكل الطعام، ونلبَس الثياب، وبنو هاشم هَلْكى، لا يُباع ولا يُبتاع منهم"؟ ثم نقضوا الصحيفة، وكان فرَجُ الله سبحانه وبحمده.
لقد قال النبيُّ: "عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، لا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا، إِذْ حَبَسَتْهَا، وَلا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ". (رواه البخاري ومسلم)، فكيف بحبسِ مئات الآلافِ من المسلمين المظلومينَ وقتلِهم جوعاً؟
لقد دخل النبيُّ يَوْماً حَائِطاً مِنْ حِيطَانِ الْأَنْصَارِ فإذَا جَمَلٌ قَدْ أَتَاه، فَجَرْجَرَ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَمَسَحَ رَسُولُ اللهِ سَرَاتَهُ وَذِفْرَاهُ فَسَكَنَ. فَقَالَ: "مَنْ صَاحِبُ الْجَمَلِ"؟ فَجَاءَ فَتًى مِنْ الْأَنْصَارِ، وقَالَ: "هُوَ لِي يَا رَسُولَ الله! فَقَالَ: أَمَا تَتَّقِي اللهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَهَا اللهُ؟ إِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ". (رواه أبو داود).
دابَّة عجماءُ تشكو الجوعَ إلى رسول الله، فكيف بشِكاية مِئات الألوف من الأطفال والنساء؟
إن المجتمعَ الدَّوْليَّ الذي ظلَّ يفخرُ بقوانين حقوقِ الإنسان ومواثيق الأمم المتحدة، واعتبارِ منع الطعام جريمةَ حَرْب، لا يلتفتُ اليومَ، لأن المقتول مسلم، ولا عَجَب، فالكافرون بعضهم أولياء بعض.
لكنَّ العجبَ من الأمة المسلمة التي ترى ما حلَّ بجزءٍ من جَسَدِها ولا تتألّمُ ولا تتحرَّك! قَالَ رَسُولُ اللهِ: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى".
إنَّ الجوعَ بئسَ الضجيعُ، ولذا كان النبي يتعوَّذ بالله منه فيقول: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُوعِ فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ". فكيف رضينا أن يبيتَ إخوانُنا وأطفالنا جِياعاً عُراة، ونحن نعلم بهم ونرى حالهم؟
الم يقل النبي: "مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَانَ، وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ، وَهو يَعْلَمُ بِهِ"؟ كيف تركناهم للهَلاك والضَّيعة؟ والنبي يقول: "الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ، يَكُفُّ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ، وَيَحُوطُهُ مِنْ وَرَائِهِ"..
لقد جمَعَوا بين أُخوة الإسلام وحقّ الجِوار، فأغلقنا أبوابنا في وجوههم، والنبي يقول: "كَمْ مِنْ جَارٍ متعلِّقٍ بِجَارِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ، يَا رَبِّ! هَذَا أَغْلَقَ بَابَهُ دُونِي، فَمَنَعَ مَعْرُوفَهُ".
لقد كان ابنُ عُمَرَ (رضي الله عنه) إذا ذبحَ شاةً قال لغلامه: "يَا غُلَامُ إِذَا فَرَغْتَ فَابْدَأْ بِجَارِنَا الْيَهُودِيِّ"، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: الْيَهُودِيُّ أَصْلَحَكَ اللَّهُ؟ فقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ يوصي بالجار، حتى خَشِينا أو رُؤِينا أنه سَيُورِّثُه".
لقد وضع النبيُّ ميثاقَ الأُخوَّة الإسلامية فقال: "الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، يَرُدُّ مُشِدُّهُمْ عَلَى مُضْعِفِهِمْ وَمُتَسَرِّيهِمْ عَلَى قَاعِدِهِمْ".
المسلمُ أخو المسلم، مهما كان لَونُه وعِرقُه ولُغَتُه، دماؤهم واحدة، ونُصرَتُهم واجبة، هم يدٌ واحدةٌ على من عاداهم، إنِ استنصروا إخوانَهم نَصَرُوهُم، وإن طلبوا عَوْنَهم أعانُوهم.
إنَّ رائحةَ الخُذلان منتنة، ستظلُّ وصْمَة عارٍ أبدَ الدهر، وإنذارَ عقوبة، جزاءً وفاقًا.
سيأتي يومٌ يجازى فيه العِبادُ بما كسبوا، ولن يُفْلِت الظالمون من العقاب.
هنالِكَ يرى المجرمونَ ثمرةَ إجرامهم، ويتجرَّعون مَرارةَ ظُلمهم جوعا وطعاما من النار، ولا يظلم ربُّك أحدا.
يقول النبي: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ".
اللهم إنا نسألك لإخواننا كما سألك نبينا لأصحابه فقال: "اللَّهُمَّ إنهم حُفاةٌ فاحْمِلْهُمْ، اللَّهُمَّ إنَّهُمْ عُراةٌ فاكسُهُمْ، اللَّهُمَّ إنَّهُمْ جِياعٌ فأَشْبِعْهُمْ".
إمام وخطيب
[email protected]