في صيف عام 1990، كنت على وشك التخرج من جامعة الكويت. وقد أنهيت متطلبات التخرج سوى مادتين اختياريتين، أردت أن انهي مشواري الجامعي بهما في الفصل الصيفي.
كنت حينها أحد طلبة البحرين الحاصلين على منحة دراسية من الكويت، وكنا نسكن في سكن الطلاب بمنطقة الشويخ، حين باغتنا الغزو العراقي في الثاني من اغسطس 1990، في لحظة تحولت فيها الحياة الجامعية الهادئة مشهداً مرعباً يصعب نسيانه.
في يوم الخميس الذي كان يوم اجازة أسبوعية في ذلك الحين، استيقظت على صوت انفجارات عند الخامسة فجراً، ظننتها في البداية ألعاباً نارية، لم يخطر في بالي أن الكويت ستتعرض إلى ما تعرضت له من غزو.
استيقظت من النوم فزعا، فتوضأت، وأديت صلاة الصبح، وأثناء الصلاة زاد صوت القصف، وتصاعدت الاهتزازات في المبنى، وانتابني خوف شديد.
بمجرد الانتهاء من أداة الصلاة خرجت من غرفتي في الطابق العاشر، لأجد مجموعة من الطلاب العرب يتحدثون في حالة من الفزع، فسألتهم ما الذي يجري؟
اجابوا: أن الكويت تتعرض لغزو غير متوقع، من جانب الجار الشمالي.
عشنا يوما عصيبا بكل تفاصيله، التي لا تزال عالقة في الذاكرة حتى اليوم.
لم تمضِ سوى أيام قليلة حتى دخلت القوات العراقية الحرم الجامعي في الشويخ، وبدأت تحفر أنفاقا قرب السكن الطلابي المجاور للميناء، وهنا ادركنا ان الجامعة قد تصبح ساحة مواجهة عسكرية قريبة.
توقفت الحياة منذ ذلك اليوم، وتأجل موعد تخرجي الذي كان منتظراً في نهاية شهر أغسطس 1990، فيما سادت مشاعر القلق على سلامتنا، خصوصا بعد انقطاع الاتصالات التي حرمت ذوينا في البحرين من التواصل معنا.
في ظل هذه الظروف، برز دور السفارة البحرينية التي قادها حينها السفير عيسى الجامع، رحمه الله، فقد امنت السفارة مأوى أكثر أمانا للطلبة، ووفرت لنا الدعم اللازم، وانتقلنا بعد أيام إلى مقر نادي طلبة البحرين في محافظة حولي.
بعد خمسة أيام من بدء الغزو، نظمت السفارة عملية إجلاء واسعة للجالية البحرينية عبر منفذ السالمي إلى السعودية، في قافلة ضمت حافلات وعائلات بأطفالهم من البحرينيين والكويتيين، وعرب آخرين.
كانت رحلة شاقة، لكنها شهدت مشاهد إنسانية مؤثرة في الجانب السعودي، حيث استقبلونا بالماء والطعام، الامر الذي منحنا شعورا بالأمان، كنا قد افتقدناه منذ اللحظات الأولى للغزو الغاشم.
ورغم ما خلفه الغزو من ألم، بقي الشوق للعودة إلى الكويت حيا. وقد حرصت على العودة اليها بعد التحرير مباشرة، كنت مشتاقا لتراب هذا البلد العزيز الذي عشت فيه أياما من أجمل أيام العمر مغمورا بكرم وحب أهل الكويت الذي لا ننساه أبدا. وجدت آثار الدمار منتشرة في كل مكان، والدخان يغلف سماء البلاد جراء حرائق آبار النفط، لكن ما لفت نظري كان روح الإصرار لدى اخوتي الكويتيين، الذين شرعوا بإعادة البناء في وقت قياسي، بدافع الأمل والوفاء والحب لهذا الوطن الغالي.
لقد أظهرت الأزمة مدى قوة اللحمة الخليجية، كما ساهمت في تعميق العلاقة بين البحرين والكويت، التي تتجاوز حدود الجغرافيا والسياسة، بل هي أخوة راسخة وممتدة، تؤكدها المحن والمواقف الصعبة، وأن محبة الكويت وأهلها باتت راسخة في قلبي وقلب كل أبناء الخليج.
لقد كانت لنا ايام جميلة في ربوع الكويت الحبيبة لم يعكر صفوها سوى ذلك الغزو الغاشم.
كاتب بحريني