اللاعبون الدوليون الذين ينسجون ترتيبات مصالحهم (إيران، روسيا، تركيا، إسرائيل، أميركا)، يرون أن سورية لن تعود إلى ما كانت عليه قبل 2011، ولا أحد يريدها كذلك، بل نحن أمام نموذج جديد لدولة:
• لا مركزية.
• متعددة الهويات.
• ومرتبطة بالتحالفات الإقليمية لا بالحدود فقط.
انطلقت الهتافات العربية والخليجية، وعلى رأسها السعودية، لإيقاف النزيف السوري، والعودة للمربع الأول، وهناك استقبل السوريون اكثر من 300 رجل اعمال ومسؤول، وبدعم وتوجيه من ولي العهد الأمير محمد، نظم منتدى الاستثمار السعودي - السوري ليتم ضخ اكثر من 15 مليار دولار لإعادة الحياة لسورية والسوريين، لكن رغم كل الجهود، العربية والعالمية، لا تزال هناك جهات تدعم الزعزعة ولا تريد لسورية العزة والكرامة، وأن تكون دوله حرة مستقلة.
ما يحدث في السويداء ليس وليد لحظة، بل هو نتيجة تراكمات، سياسية واجتماعية وديموغرافية، استمرت منذ عام 2011.
السويداء كانت "هادئة نسبيا" خلال الحرب السورية، لكن ذلك الهدوء كان يخفي ثلاثة عوامل متفجرة:
•تهميش سياسي واضح: أبناء المحافظة، ومعظمهم من الدروز، لم يكن لهم تمثيل حقيقي في النظام، أو المعارضة، وشهدوا انكفاءً إدارياً متعمداً.
• فراغ أمني وفوضى اقتصادية، انهارت مؤسسات الدولة، دون أن تُستبدل بمنظومات محلية متماسكة.
• وعي طائفي متزايد، في ظل انقسام طائفي سوري أوسع، تشكّل شعور لدى بعض أبناء السويداء بأن حماية "الطائفة" فوق الدولة نفسها.
الأحداث ليست "أزمة أمنية عابرة"، بل تعبير عن فشل إدارة الدولة المركزية في إدماج السويداء سياسياً، ورفض المحافظة للبقاء كـ"حزام صامت".
رغم أن الصراع أُلبس طابعاً طائفياً (دروز مقابل بدو، سنة مقابل أقليات)، فإن جوهره ليس دينياً بقدر ما هو صراع على التمثيل السياسي والهوية الوطنية.
الدروز، كما يظهر من سلوك القيادات المحلية، لا يسعون إلى الانفصال، بل يطالبون بـ: حكم محلي حقيقي.
• نهاية للاعتقالات التعسفية والسطوة الأمنية.
• مشاركة فعلية في رسم ملامح المرحلة الانتقالية.
الطائفية هنا تُستخدم كأداة تعبئة لا أكثر، بينما المضمون سياسي بامتياز، مطالب باللامركزية، والحكم الرشيد.
قد يحاول النظام فرض سيطرته الكاملة على المحافظات (السويداء، دير الزور، شمال حلب) باستخدام القوة، أو الوساطة الروسية، مع تقديم تنازلات سطحية (لجان محلية، وجوه جديدة بلا صلاحيات).
ضعف هذا السيناريو، لم يعد مقبولاً بعد أن انكسر الخوف من الدولة، وتكوّنت نخب محلية قادرة على المواجهة.
سورية تُقسّم سياسياً إلى أقاليم شبه مستقلة إدارياً، مثلما هي الحال في كردستان العراق، أو "لبنان الطوائف"، مع بقاء "الدولة" كواجهة.
مثال: السويداء تُحكم من مجلس محلي، شمال شرق سورية من "الإدارة الذاتية"، والساحل من "المركز"، لكن ضمن حدود "دولة سورية واحدة".
قوة هذا السيناريو، يسمح بتفكيك الأزمات المتعددة (الطائفية، الاقتصادية، السياسية) عبر تقاسم النفوذ دون حرب شاملة.
إذا فشلت النخب في إدارة الأزمة الحالية، وانزلقت الأحداث إلى صراع أوسع يشمل تدخلاً إسرائيلياً مباشراً (بذريعة حماية الدروز) أو تصفية حسابات بين إيران وخصومها، فقد نرى نموذجاً فوضوياً يشبه ليبيا، واحتمال أقل، لكنه وارد، خصوصا إذا تصاعدت اشتباكات الدروز مع أطراف حكومية، وتدخّلت دول خارجية لتغذية النزاع.
كاتب سعودي