الجمعة 08 أغسطس 2025
35°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
في ذكرى الغزو...  كيف نبني مجتمعاً منتجاً
play icon
كل الآراء

في ذكرى الغزو... كيف نبني مجتمعاً منتجاً

Time
الأحد 03 أغسطس 2025
الشيخ م.فهد داود الصباح

المجتمع الكويتي بني على الانفتاح والتسامح، لكن في الآونة الاخيرة تغيرت نظرة الناس إلى العلاقات الاجتماعية، بل إن دخول التكنولوجيا بهذا الشكل المكثف غيّر المجتمع ككل.

في هذا الشأن ثمة دراسات كثيرة حول السعادة بالمفهوم المبسط، ومنها دراسة أجراها استاذ الطب النفسي في جامعة "هارفارد" الاميركية الدكتور روبرت والدينغر، التي نشرت عام 2012، وهي اطول دراسة استمرت 75 عاما، وعمل عليها الكثير من الخبراء، وشارك فيها 268 طالباً، وانطلقت عام 1938.

فيها لخص والدينغر الطريق الى السعادة الفردية، وكذلك الاجتماعية، واعتمد فيها على متابعة 724 رجلا كانوا من مجموعتين مختلفتين، اجتماعياً ومالياً، الأولى من الأغنياء، والثانية من الفقراء.

إن اهم اكتشاف في ذلك كان أن السعادة تكمن في العلاقات الانسانية، مع العائلة والاصدقاء، وليس المال والثراء، أو الصحة الجيدة، والوظيفة، وهذا الامر مفتاح اساسي لحياة طويلة، ففي الدراسة، مثلا، حُدد عامل الوحدة مسببا للكآبة، فيما كثرة العلاقات ليست مفتاحاً للسعادة، انما التميز في العلاقات، الخالية من الصراعات والمشكلات هو الاساس.

وفي هذه الدراسة هناك ميزة أساسية، وهي أن يكون الشخص هو المبادر دائماً في خدمة الآخرين، وصاحب عطاء، فالدروس المستفادة من هذه النتيجة هي أن السعداء أصحاب العلاقة المميزة يتمتعون بصحة جيدة، وفي حالة مرضهم وتألمهم يتمتعون بمزاج أحسن حالاً من أولئك الذين يعيشون في وحدة، أو علاقات تعيسة، لأن إحساسهم بالألم الجسدي يتغلب على مزاجهم.

من الثابت في علم النفس ان النظرة التي يكونها الشخص عن نفسه، تؤثر على سلوكه، فإذا كانت إيجابية فإنه ينظر الى الحياة بتفاؤل ويتصرف بثقة ونجاح، واذا كانت سلبية يجلب لنفسه الكثير من التعاسة، كذلك من الفوائد أن العلاقات الجيدة تحافظ على قوة الذاكرة، وتحمي العقل.

ومن الاسباب التي اثبتتها الدراسة، هي العمل من أجل هدف، والتفكير الإيجابي، والسعي إلى تطوير المستوى الشخصي، والعطاء ومساعدة الآخرين، فالذين يتميزون بهذه الصفة يعيشون سعادة أكثر من غيرهم.

كذلك الحرية، اي ان تكون للشخص مساحة تتوافر فيها مقومات الاختيارات الشخصية.

ما يمكن أن نستنتجه أن السعادة ليست شأناً شخصياً، بل هي مسألة عامة بين الناس بفعل التكامل والتكافل الاجتماعي، وهذا اساس في النظر الايجابية إلى العالم.

في الكويت، كانت هذه العوامل موجودة، لكنها تغيرت في السنوات الاخيرة جراء النظرة القائمة على عناصر سلبية طغت في مرحلة ما بعد التحرير من الاحتلال العراقي، جراء قلق اجتماعي لم يعمل المجتمع المدني على علاجه، كي يرسخ النظرة الايجابية حيال هذه الكارثة، كفرصة من اجل تطوير الذات الشخصية والاجتماعية، والتغلب على المنغصات التي نتجت جراء عدم، آنذاك، وجود رؤية إلى المستقبل.

لا شك أن السلام الداخلي اهم ركن في حياة الانسان، فهو العامل الاهم من اجل سلام اجتماعي، وتصالح مع الذات والمجتمع، واليوم في ذكرى الغزو المشؤوم، علينا اعادة التفكير بكل تلك العوامل كي نبني مجتمعا اكثر قدرة على مواجهة الصعاب.

فالمرء الذي يعيش سلاماً داخلياً، ويحافظ على الهدوء مهما كانت الظروف، ولا يعبأ بسفاسف الأمور، هو الذي يبني مجتمعاً منتجاً ومتطوراً.

آخر الأخبار