في زمنٍ تُرفع فيه شعارات الحقوق والكرامة، لا يزال هناك من تُباع أجسادهم قطعةً قطعة، في أسواق لا ترى النور، وأسعار لا يحددها العدل، بل الحاجة واليأس، إنها تجارة الأعضاء، الجريمة التي تنتهك إنسانيتنا قبل أن تمزق الأجساد. في العيادات المظلمة، وعلى طاولات بلا ضمير، تُجرى عمليات تُشبه الذبح، أكثر مما تشبه الجراحة، فقرٌ مدقع يدفع البعض إلى بيع جزء من أجسامهم من أجل إطعام أبنائهم، فيقابلهم طمع لا يعرف الشبع، وسماسرة لا يرون في الإنسان إلا رقماً في سوق الطلب.
الأرقام صادمة، منظمات دولية تشير إلى أن آلاف الأشخاص، من الأطفال إلى كبار السن، يُستغلون سنوياً في هذا السوق العالمية السوداء، وتزداد الجريمة بشاعة حين تُرتكب في مناطق الصراع والفقر، أو حين يتحول اللاجئون والمهاجرون "صيدا سهلا" للمافيا الطبية.
الكارثة لا تقف عند حدود الدول الفقيرة، بل تتسلل إلى عواصم عربية، منها الخليج، حيث يتم أحياناً شراء الأعضاء من الخارج بطريقة غير قانونية، وسط صمتٍ، يغض الطرف عن مصدر هذه الأعضاء. ما يقلق أكثر هو غياب الوعي، والرقابة، وغياب الردع الحقيقي، فلا يكفي أن نُجرّم في النصوص، ما لم نحارب في النفوس.
أين نحن من ثقافة التبرع الطوعي، أين نحن من بث الوعي بأن التبرع بالأعضاء بعد الوفاة قد يُنقذ حياة إنسان، بدل أن يُترك الفقير ضحية لجشع وتجارة قذرة؟
تجارة الأعضاء لا تهدد فقط الضحايا المباشرين، بل تهدد منظومة القيم بأكملها، نحن بحاجة إلى وقفة حقيقية: قانونية، إعلامية، ودينية، ضد هذا الاستغلال.
فلنستعد إنسانيتنا، قبل أن نستيقظ يوماً فلا نجد ما نُدافع عنه سوى البقايا.
كاتبة سعودية