حديث الأفق
- الأب: على كل واحد منكم إيصاله إلى القرية القريبة
- اللصوص خدعوا الابن الأكبر وجعلوا خروفه كلباً
كان هناك ملكٌ حكيمٌ، قد شارف على الشيخوخة، وقد حكم شعبه بعدل وحكمة لسنوات طويلة، وعندما حان الوقت لتسليم زمام الحكم لأحد أبنائه الثلاثة، أراد أن يختبرهم لاختيار الأجدر لتولي الحكم.
جمع الثلاثة وقال لهم: سأعطي كل واحد منكم خروفاً، ومهمتكم إيصاله إلى القرية الفلانية، وهي تبعد مسافة يوم كامل سيراً على الأقدام، فمن ينجح في المهمة، ويظهر الحكمة والصبر، سيستحق أن يكون هو الملك".
ضحك الابن الأكبر بثقة، وقال: أهذا هو الاختبار؟ إنه بسيط للغاية، سأثبت لكم أنني الأحق بالعرش، وأخذ خروفه وانطلق في طريقه، وكان هناك أربعة لصوص خططوا لسرقة الخروف بأسلوب محكم، فجلسوا متفرقين على الطريق، الأول كان يجلس في بداية الطريق عندما مرّ ابن الملك، ألقى اللص السلام عليه، وقال: "يا رجل لماذا تقود هذا الكلب مربوطاً"؟
توقف الرجل قليلاً وقال بثقة: "هذا ليس كلباً إنه خروف". وتابع طريقه، لكنه بدأ يشعر بشيء من الاستغراب من سؤال اللص.
وحين قابله الثاني وكان على بعد مسافة قصيرة ألقى عليه السلام، وسأله: "أيها الرجل لماذا تقود هذا الكلب مربوطا"؟
فتردد للحظة، ثم رد قائلا: "إنه خروف وليس كلباً"، ورغم ذلك بدأ يتحسس الخروف بيديه، فيما راوده الشك. وفي منتصف الطريق كان اللص الثالث في انتظاره، وعندما اقترب ابن الملك بادره قائلا: "يا رجل أحقاً تقود كلباً مربوطاً طوال هذا الطريق، ألا ترى أن ذلك غريب"؟ هنا وقف مذهولاً، ولم يجد ما يرد به، فنظر إلى الخروف نظرة طويلة، وقد بدأت شكوكه تتعاظم، إذ كيف يمكن لثلاثة أشخاص مختلفين أن يقولوا الكلام نفسه، بينما هو يسير في طريقه قابله اللص الرابع، فابتسم الأخير، وسلم عليه، وبادره قائلا: "ماذا بك يا رجل كيف تربط الكلب وتقوده خلفك".
هنا شعر أنه بالفعل يقود كلباً، وليس خروفاً، وقال في خلده: "من غير المعقول أن يكون الأربعة كاذبين"، وتأكد أن ما قاله اللص صحيحا، ثم نظر إلى اللص، وقال له: "لقد كنت في عجلة من أمري، واعتقدت أن هذا الكلب هو خروف فربطته ظناً مني أنه سيكون مناسباً للبيع في السوق، ولم أكتشف أنه كلب إلا الآن".
عندها فكّ ابن الملك وثاق الخروف وأطلق سراحه، ثم عاد مسرعاً إلى القصر باحثاً عن خروفه الحقيقي، وعندما علم الملك ضحك، وقال له: "لقد فشلت في مهمتك، وتم خداعك من اللصوص".
فقال الأخ الأصغر: "أنا سأكون الملك، ثم انطلق متحمساً يجر خروفه خلفه، وفي منتصف الطريق وجد مجموعة من الأشخاص يجلسون على قارعة الطريق، بدت على وجوههم علامات التعب والجوع، فسألهم: "ماذا بكم؟". أجاب أحدهم: "نحن جياع، ولا نملك مأوى، فهل يمكنك مساعدتنا"؟
نظر إليهم بلا اكتراث، وقال لا يهمني أمركم، أنا في طريقي لأصبح الملك"، ثم تركهم وأكمل طريقه بخطوات واثقة.
بعد قليل رأى رجلاً تبدو عليه علامات الغنى والثراء، فقال له الرجل: ما هذا الذي تقوده إنه خروف جميل، سأشتريه منك وأعطيك بدلاً منه مالاً وفيراً، توقف ابن الملك للحظة، ونظر إلى المال الذي عرضه الرجل بعينين لامعتين، ثم قال سأوصل هذا الخروف إلى المدينة وأبيعك إياه هناك.
وافق الرجل الغني على اقتراحه، وأكملا طريقهما، وعندما وصل باع الخروف للرجل الغني، وعاد إلى القصر بابتسامة عريضة.
عندما واجه والده، قال بكل ثقة: "لقد أوصلت الخروف بنجاح إلى المدينة"، متظاهراً أنه أتم المهمة بأمانة، ومعتقداً أن والده لن يكتشف الحيلة، لكن الملك كان يعلم بخطته منذ البداية، فنظر إلى ابنه، وقال بابتسامة ماكرة: "أحسنت بيع الخروف، لكن هل تظن أن الملك الحقيقي يخدع شعبه أو يهمل المحتاجين، عليك أن تتعلم أن الملك ليس من يجمع المال فقط، بل من يفكر في الآخرين أيضا".
حينها شعر الأخ الأصغر بالخجل، وأدرك أن المال ليس كل شيء، والعرش يحتاج إلى الحكمة والرحمة، قبل القوة والطمع.
بعدها جاء دور الولد الأوسط، الذي أخذ الخروف، وانطلق في رحلته، وهو يفكر في تحقيق هدفه، وأثناء سيره التقى رجلا فقيرا يقف إلى جانب الطريق، فقال له الرجل: "أرجوك يا سيدي، هل يمكن أن تعطيني صوف هذا الخروف، أريد أن أصنع ملابس ابني الذي يعاني من البرد؟".
فكر في طلب الرجل، ثم قال لنفسه: "لن يضرني أن أساعده، فالصوف سينمو مجددا، لذا عليَّ مساعدة الرجل".
وجز بعض الصوف، وأعطاه له، ثم تابع طريقه، فوجد عجوزاً عمياء، تجلس في وسط الطريق، وتبدو عليها علامات التعب والجوع، فقالت بصوت ضعيف: "يا ولدي أنا جائعة جدا، ولا أملك طعاماً، هل يمكنك مساعدتي بأي شيء".
شعر بالارتباك، وبدأ يفكر بأنه لا يملك سوى هذا الخروف: "إذا ذبحته لأطعمها، فلن أتمكن من إيصاله إلى المدينة، ولن أصبح الملك"، لكنه سرعان ما طغت الرحمة على تفكيره، فقال لنفسه: "لا يمكنني ترك هذه المرأة جائعة، ربما يكون هذا الاختبار الحقيقي، فقرر ذبح الخروف، وأعد الطعام للعجوز، التي بدأت تأكل، وهي تدعو له بالخير والسعادة، وبعد أن أنهت طعامها قالت: "لقد أثبت أنك تملك قلباً رحيماً، وهذا ما يجعل الشخص جديراً بالقيادة".
عاد الأخ الأوسط إلى القصر دون الخروف، لكنه كان يشعر بالرضا والراحة لأنه اختار الخير على حساب طموحه الشخصي. اجتمع الأب بأبنائه الثلاثة، وقال لهم لقد حان الوقت لاختيار من يستحق أن يكون ملكاً، ثم نظر إلى الأخ الأصغر، وقال له: المال ليس كل شيء، فالثروة لا تصنع الحاكم الحكيم. ثم التفت إلى الأخ الأكبر وقال: الملك ليس مجرد طموح، فالقيادة الحقيقية تتطلب أكثر من مجرد الرغبة في السلطة. وأخيرا نظر إلى الابن الأوسط، وقال: الرحمة هي أساس الملك، وأنت يا بني أظهرت من خلال تصرفك أنك تملك هذه الصفات، لذلك أنت من تستحق أن تتولى قيادة هذا الشعب.
وأضاف: "لم يكن يهمني أن توصلوا الخروف إلى المدينة، فذلك كان مجرد اختبار، أنا من وضعت العقبات في طريقكم لأرى كيف ستتصرفون في المواقف الصعبة، وما هي القيم التي ستحكم تصرفاتكم، أردت أن أرى إذا كنتم ستختارون المال على الرحمة أو الطموح".
العبرة من القصة أن القيادة الحقيقية لا تعتمد على المال، أو الطموح الشخصي فقط، بل على القيم الإنسانية مثل الرحمة والتواضع.
نكشات
يقول الفاهمون من العُربان: الناس كالإعراب بعضهم يستحق الرفع، وبعضهم يستحق النصب، وبعضهم يستحق الكسر، وبعضهم يستحق النفي، وبعضهم الجر، وبعضهم لا محل له من الإعراب.
* * * *
أبناء الكويتيات يستحقون التقدير خصوصاً أصحاب المهن المهمة، فبعضهم مات آباؤهم، أو أباؤهم من "البدون"، وقد عاشوا في الكويت سنين طويلة حتى قبل 1960، الكويت وحكامها أهل رحمة ومحبة.
* * * *
سيقال عنك ما ليس فيك، وسيقال لك ما لا تحب، وأنك فعلت ما لم تفعل، ولن تجد من يدفع عنك الأذى، فلا تيأس، وخذ العفو، وأمر بالمعروف، وأعرض عن الجاهلين.