جسر العبور إلى الريادة

الشرق الأوسط والشراكات الذكية… جسر العبور إلى ريادة الذكاء الاصطناعي.

العالم يدخل عصراً جديداً، حيث لم تعد التكنولوجيا أداة مساعدة، بل أصبحت قلب الاقتصاد والسياسة، والمجتمع. وفي هذا العصر، لم يعد امتلاك أحدث التقنيات رفاهية أو خياراً، بل ضرورة تحدد موقع الدول على خريطة القوة العالمية.

الشرق الأوسط، بما يملكه من موارد بشرية وطبيعية ورؤى، وطنية طموحة، يقف اليوم على أعتاب فرصة تاريخية: التحول من مستهلك للتكنولوجيا إلى صانع لها. والمفتاح لهذا التحول هو الشراكات الستراتيجية. هذه الشراكات ليست مجرد عقود شراء أو توريد أنظمة، بل تحالفات بعيدة المدى، تجمع بين قوة الحكومات ورؤية القطاع الخاص، وخبرة رواد التكنولوجيا العالميين. الهدف منها ليس فقط جلب الحلول الجاهزة، بل بناء البنية التحتية السيادية، وتطوير القدرات المحلية، ووضع الأطر التي تضمن الابتكار المسؤول والمستدام.

في المنطقة، بدأت بعض الدول بالفعل في رسم ملامح هذه الرؤية.

من الكويت إلى الإمارات والسعودية وقطر، هناك تحركات جدية لدمج الذكاء الاصطناعي في منظومات الدولة، سواء في الخدمات الحكومية، أو الطاقة، أو النقل، أو التعليم، أو الأمن السيبراني.

هذه المبادرات لا تنجح إلا إذا كانت قائمة على شراكات توفر ثلاثة عناصر أساسية:

1- بنية تحتية سيادية متقدمة: مراكز بيانات متطورة، منصات حوسبة سحابية آمنة، وقدرات معالجة ضخمة قادرة على التعامل مع الذكاء الاصطناعي التوليدي والتحليلي، مع حماية كاملة للبيانات الوطنية.

2- بناء الإنسان قبل التقنية: برامج تدريب متخصصة، مراكز تميز وطنية، ومبادرات تمكّن الشباب العربي من أن يكونوا مطورين ومبتكرين، لا مجرد مستخدمين.

3- حوكمة واضحة ومسؤولة: أطر تنظيمية وتشريعية تحمي الخصوصية، وتمنع الانحيازات، وتضمن الشفافية، بما يتماشى مع القيم والثقافة الوطنية.

إن من يكتفي باستهلاك التكنولوجيا، سيظل تابعاً. أما من يستثمر في بناء بيئة إنتاجية قائمة على شراكات ستراتيجية ذكية، فسيمتلك القدرة على المنافسة، ليس فقط إقليمياً، بل عالمياً.

الشرق الأوسط أمامه فرصة قد لا تتكرر، فالعالم يعاد تشكيله حاليا، والذكاء الاصطناعي هو المحرك. إذا كانت المنطقة تريد أن تكتب فصلها الخاص في هذا المستقبل، فعليها أن تضع الشراكات الذكية في قلب ستراتيجيتها للتحول الرقمي، وأن تتعامل معها كأدوات لبناء القوة، لا كصفقات موقتة.

مهندسة وكاتبة