في سبعينات القرن الماضي هاتفني صاحب ور ئيس تحرير مجلة "مرآة الامة" الاسبوعية المرحوم علي بن يوسف الرومي، كي اكتب مقالة ادعو فيها الحكومة رفع اشتراكاتها بالمجلات الاسبوعية "لاننا صرفنا، ما بقي فلس في جيبي وما بقى الا ابيع دشداشتي".
وكان عليَّ ان البي دعوة العم بو يوسف، رحمه الله، فكتبت افتتاحية مجلة "اليقظة" وكنت حينها اتولى ادارتها نيابة عن مالكها، ورئيس تحريرها المرحوم احمد يوسف بهبهاني.
صدر العدد كالعادة يوم الاثنين موعد جلسة مجلس الوزراء الاسبوعية، ويبدو ان وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء، انذاك، عبدالعزيز حسين قد قرأ الافتتاحية، ففي ختام الجلسة صرح إلى مندوبي الصحف أن الحكومة وافقت رفع اشتراكات المجلات الاسبوعية، فقلت في نفسي الحمد لله حلينا ازمة زميلنا بو يوسف، وانه لن يضطر الى بيع دشداشته. جميع بلدان الخليج، عدا هذي الكويت، صحافتها ملكية حكومية، بمعنى انها تصدر بملكية ومال الحكومة، ويعين اداراتها، ورؤساء تحريرها بقرار حكومي، لذلك تلتزم سياسة الدولة.
الحكومة الكويتية لم تكن بعيدة عن السلطة الرابعة مالياً، فكانت ولا تزال تمنح 100 الف دينار سنوياً للجرائد اليومية وكذلك تدعم المجلات الاسبوعية السياسية والفنية والرياضية، وبعد اجتياح الصحافة الالكترونية تكاد تنهار الصحافة الورقية، او هي شبه منهارة فصحافتنا، لا تصدر من اجل توصيل المعلومة للقارئ، انما حتى لا يسحب منها الترخيص وغلق المطبعة، وسحب المبنى. صحافتنا حرة نعم، كانت حرة في زمن كانت فيه الصحافة المنفذ الوحيد للتعبير وللتنفيس، فكانت تصدر باوزان مصقولة وعدد الصفحات 80 إلى 100 صفحة، هذا بخلاف الاعلانات التي كانت تأكل ثلث صفحات الجريدة فضلاً عن الملاحق الرياضية والفنية والمرأة وخلاف ذلك.
سالتُِ صديق لا يزال يصارع في اتون الصحافة من اجل البقاء ولقمة العيش عن عدد الصحف الكويتية التي لا تزال ملتزمة بالصدور اليومي، فاعطاني عددا، لكنني شككت من رده، إذ قال هناك صحف يومية ورقية تصدر بصفحات ضئيلة، وباعداد محدودة تجنباً لسحب الترخيص.
اذن صحافتنا تحتضر، كلما حضرت ازمة الصحافة الكويتية تذكرتُ فوراً قصيدة امير الشعراء احمد شوقي التي مطلعها "لكل زمان آية"، وآية هذا الزمان الصحف، واقول: هذا زمان قد مضى وجاء زمان النكب.
كان زمان عندما كانت صحافتنا قوية وعالية الصوت، كانت توجه لخدمة انظمة عربية، بل كان بعض الحكام العرب يفضلون لقاءات مع الصحافة الكويتية على صحفهم المحدودة القرّاء والمحدودة الصفحات.
اذا لم تسارع الحكومة إلى انتشال الصحافة فقد يأتي يوم تختفي صحفنا، ورغم هزال وضع الصحافة عموماً ازاء الصحافة الالكترونية وبقية الوسائل الالكترونية الحديثة، لكن تبقى للصحافة الورقية نكهتها وقراؤها.
الصحافة تصدر لانها جزء من ثقافة المجتمع، فالغرب واميركا تحديداً رغم تراجع الصحافة الورقية، الا أن الصحف هناك لم تفقد قراءها، بل لعل بعض الصحف هناك ارباحها لا تزال مرتفعة، فهل تنطبق علينا مقولة "العرب لا يقرأون"، ربما ليش لا؟
الجهل واعداء القراءة لا علاقة لهم بنسبة المتعلمين، فهناك مسؤولون في مناصب عليا يعترفون ان لا وقت عندهم لقراءة الصحف.
اخيراً نداء عاجل للحكومة اما أن تسارع إلى انتشال الصحافة الورقية من هلاكها، كي لا نرى دولة حضارية بلا صحافة، انها حقاً مأساة.
صحافي كويتي
[email protected]