تتحدث اللغة الشعرية في ديوان «كي لا تبكي» لعدنان مشهي، عن علاقة المدينة بالذاكرة واستحضار الومضة التاريخية لتعضيد القصيدة.
حيث تعددت الأوصاف ودلالة الفضاء الشاسع بين أعظم نهرين أم الربيع شمالا وتانسيفت جنوبا بالفضاء الدامج لهما وهو المغرب، واختلفت التصنيفات، لكن هي "دكالة" فضاء الخيل والإبداع في شموليته، ونستحضر اللسان الأمازيغي الذي يؤشر على دلالة دكالة بـ"الأرض المنبسطة" "دو أكال" أرض الماء وصفاء المحيط ونقاء السماء وفضاء الإبداع في شموليته.
من المؤكد أن الشعر الحرّ هو ابن المدينة، مدينة تبكي خيلها وخيرها وذاكرة رجالاتها على مقربة من شاطئ يتسع قلبه لكل أشكال الإبداعية الإنسانية وإنتاجيات الإنسان عموما، بحر لا يشكو ثقل الحزن وتيه مراكبه اجتماعيا، ثقافيا وسياسيا… الجديدة مدينة اتسعت على المحتمل واللا-مُحتمل، المدينة البويطيقا، هو البحر في القصيدة يؤشر على حركية التجديد، المدّ والجزر/ السكون/ والعاصفة، لكنه بحر يبكي ربما أنه يشكو ملحا زائدا أو يشكو حالة حرمان، فالبكاء الصادق هو طبعٌ وليس تطبُّعاً.
من منظور ذاكرة المدينة يتبلور الإبداع ويُنتِج المبدع إبداعيته في علاقة بالمكان، وكأن المدينة شكل «رَحِم» أشمل لكل من رَغِب في إنتاجية ترتبط بالفنّ والإنسان؛ هذا الرَّحِم، الذي هو فضاء المٌبدِع، يبدو لي أنه المُحفز الأوّل للكتابة، وإلا لن ولم نسمع مع سالم يفوت بأن: «الكتابة تساوي حضارة». فالقصيدة «كي لا تبكي»، تمثلّت ثيمة الحداد بالبكاء، وهو حداد لا نفسي ولا يتخذ شكل طول زمان، إنه بكاء طبيعي، حدادٌ شاعري استثنائي الحالة، لأنه إن طال زاع عن الطبيعة البشرية، ولن يُكتب له أن تنقلب علاماته إلى فرح، فطبيعي أن نحزن لكن ليس من الطبيعي أن يتخذ الإنسان الحزن سيرورة دائمة.