الشيخ م.فهد داود الصباح
ثمة مؤسسات كويتية أثبتت قدرتها على التغيير والابتكار، ومنها مؤسسة الكويت للتقدم العلمي التي تمثل منذ العام 1976 حجر الزاوية في ريادة الابحاث العلمية خليجيا، وحتى عربيا، وقد بنت تلك السمعة من خلال الجهد الدؤوب الذي يبذله القيميون عليها، وادارتها المتميزة.
لقد بنت المؤسسة شراكات عدة في المجال العالمي كويتيا، عبر شراكتها مع القطاع النفطي في الدراسات والأبحاث التي تجرى في سبيل تطوير التقنيات المساعدة على العمليات النفطية بما يساعد على توفيرها، كذلك مساهمتها في تمويل الابحاث الصحية، وانجازاتها في هذا المجال، ما يعني انها بعد كل هذا التاريخ باتت قادرة على الانطلاق مجددا في رحاب اوسع، وفي مجالات اكثر لديها القدرة الكافية على المزيد من الابتكار فيها، إذا توافرت الامكانات الداعمة لها، وهنا لا اتحدث عن التبرعات التي تتلقاها، انما عن الدعم المؤسساتي الثقافي والعملي.
من المعروف في كل دول العالم ثمة شراكات بين المؤسسات البحثية العلمية والجامعات والمصانع والشركات التي تعمل كحاضنات ابتكار، وهو ليس موجوداً في الكويت، اما جراء عدم وجود بنية تحتية صناعية تستهدف الاستفادة من الابتكارات الحديثة، واما لعدم وجود ذهنية محفزة على اكتشاف المبتكرين، والمخترعين.
لا شك أن هذا الامر يؤدي إلى نوع من التقاعس، او بالاحرى إلى ما يشبه رفض الاختيار العملي، انما الاستناد على التقليد او التجميع، وهذا يمنع الاجتهاد، وفي هذا الشأن فإن كل مؤسساتنا العلمية تبدو انها غير مرغوبة بها من اصحاب رؤوس الاموال الذين يبحثون عن الربحية بأقل التكاليف، بينما في الدول المتقدمة يبدو أن الامر مختلف، إذ تبنى الشراكات مع المؤسسات العلمية التي تعتبر محفزا على الابتكار، وتحويل الابحاث إلى مشاريع، مهما كان حجمها، صغيرة او كبيرة.
صحيح ان المؤسسة اطلقت جائزة للشباب الكويتيين، هي "جائزة جابر الاحمد للباحثين الشباب"، وهذا امر جيد، لكن هنا نقترح على المؤسسة تطوير الجائزة كي تتماشى مع العصرنة، او ما بات يسمى "الغربنة" (Westernization)، والتوازن بينها وبين البيئة المحلية، والعمل على انشاء شبكة بحثية عالمية، وإيجاد مسرعات ابتكار، عبر تحويل المشاريع الفائزة إلى شركات ناشئة، وفي هذا المجال، لا بد من وجود تعاون جدي بين صندوق المشاريع الصغيرة والمتوسطة، بحيث يخرج الصندوق من الافكار التلقيدية، إلى فضاء مشاريع تشكل حجر اساس في تطوير الاقتصاد الوطني، ولا اعتقد أن المؤسسة تمانع بهذا التعاون.
ففي السنوات الاخيرة، مثلا، كانت اغلب المشاريع الناشئة في الكويت كانت عبارة عن مطاعم ومقاه، وليست مصانع او شركات يمكن التعويل عليها في الابتكار.
وهذا يدل على أن المؤسسات الرسمية لا تعمل بذهنية الفريق والمصلحة العامة، ولهذا نقترح ان تكون هناك جوائز مدمجة بالتمويل البحثي، وهذا يتطلب شراكات مع رأس مال جريء.
لا شك ان مؤسسة الكويت للتقدم العلمي هي عقل الكويت الواعي والمتحضر، الذي علينا دعمه وفق رؤية مجتمعية تستهدف خير الكويت، وهذا لا يتحقق إلا من خلال شراكات واعية لدور المؤسسة، وتعزيزه من خلال قناعة ان الربح المالي ليس الاساس، انما الاستمرارية والبقاء والتطور العلمي هو الكنز، وأن البحث النظري لا بد أن يقترن التنفيذ، وهذا ما يجب ان يكون في ذهن كل صاحب رأسمال يسعى الى التطور.