من الكثبان الرملية إلى السواحل البحرية... خبراء يضعون تصوراً للنهضة المستدامة
- د.عبدالله الزيدان: الثروة السمكية ثاني أكبرمصدر دخل بعد النفط
- د.محمد الصايغ: بنية السياحة البيئية التحتية تحتاج تطويراً شاملاً
- د.حسن كمال: غياب الجهة وتحديات البنية يعيقان التطوير
- د.جنان بهزاد: الاستثمار البيئي يضع الكويت على خريطة السياحة
- د.مبارك الهاجري: "الحدائق الجيولوجية" فرصة للتنمية
- علياء الفارسي: مقومات واعدة تؤهل لنهضة السياحة البيئية
ايناس عوض
في وقت تسابق فيه دول الخليج الزمن لتنويع اقتصاداتها وبناء مستقبل مستدام، تبرز السياحة البيئية كأحد المسارات القادرة على الجمع بين حماية الطبيعة وتعزيز العائد الاقتصادي. وبما تملكه الكويت من سواحل ممتدة، وجزر غنية، وكثبان رملية مترامية، تتجدد التساؤلات: هل تستطيع البلاد أن تفرض حضورها في سباق الإقليم نحو الاقتصاد الأخضر؟ "السياسة" تفتح الملف وتعرض آراء نخبة من الخبراء والمختصين لرسم ملامح الفرص والتحديات أمام هذا القطاع الواعد.
"غياب الرؤية والتوجه الحكومي"
يرى المختص في الشؤون البيئية ونائب مدير الهيئة العامة للبيئة للشؤون الفنية سابقا، د. عبد الله الزيدان، أن غياب الرؤية الشاملة والتوجه الحكومي لبناء منظومة متكاملة تراعي الأبعاد الثقافية والاجتماعية والبيئية، حال دون قيام سياحة بيئية حقيقية وفعّالة في الكويت رغم توفر المقومات.
ويشير إلى أن نسبة الأراضي المخصصة كمحميات طبيعية تبلغ حاليًا نحو 11% من المساحة الإجمالية وتشمل 11 محمية، من أبرزها محمية الشيخ صباح الأحمد ومحمية الجهراء، مع خطط لرفع النسبة إلى 15% في إطار حماية التنوع البيولوجي. وأشار إلى أن 25% من التنوع الأحيائي البحري يتركز حول الجزر الجنوبية التي تحتضن شعابا مرجانية وأنواعا نادرة مثل السلاحف البحرية والطيور المهاجرة.
ويضيف أن الثروة السمكية تأتي في المرتبة الثانية بعد النفط كمصدر دخل للكويت، ما يجعل السياحة البيئية البحرية أولوية، عبر أنشطة مثل مراقبة الطيور، الغطس، التجديف، والتخييم الصحراوي، مع الحفاظ على الموارد الطبيعية. ويؤكد أن نجاح هذا القطاع يتطلب رفع الوعي المجتمعي وإشراك السكان المحليين لضمان التوازن بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة.
" على خريطة السياحة "
أما عضو المجلس البلدي، د.حسن كمال، فيؤكد أن الكويت تمتلك تنوعاً بيئياً وجغرافياً وثقافياً يضعها على خريطة السياحة البيئية، من محميات طبيعية تستقبل الطيور المهاجرة، إلى موقعها المميز على رأس الخليج العربي، الذي يمكن استثماره في الرحلات البحرية واستكشاف الحياة البحرية، خصوصا مع إدراجه في خطط مشاريع كبرى مثل مدينة الحرير.
لكن كمال يرى أن تأخر تطوير هذا القطاع يعود لغياب جهة حكومية متخصصة بإدارة السياحة، تكون مسؤولة عن وضع التشريعات وتنسيق الجهود بين الجهات ذات العلاقة، إلى جانب الحاجة إلى تشجيع القطاع الخاص وإيجاد بيئة استثمارية محفزة. كما يشير إلى أن التحديات تشمل التدهور البيئي الناتج عن الإهمال وضعف الرقابة، والتلوث البحري، والصيد الجائر، إضافة إلى قسوة المناخ في الصيف. ويشدد على أن البنية التحتية الحالية غير كافية، وأن المطلوب هو رؤية سياحية متكاملة ترتبط بجودة الحياة والاقتصاد الوطني، مع دعم بيئي وثقافي وإعلامي وتشريعي يضمن استدامة القطاع.
"حدائق جيولوجية"
من جانبه يوضح رئيس مجلس إدارة الجمعية الكويتية لعلوم الأرض، د. مبارك الهاجري، أن الكويت، رغم صغر مساحتها، تمتلك شواطئ وجزر وصحاري تزخر بتنوع بيئي وفطري، لكن غياب هيئة مختصة بالسياحة البيئية حال دون استثمار هذه المقومات. ويشير إلى أن موقع الكويت يشكل محطة عبور مهمة للطيور المهاجرة وأنواع من الدلافين والسلاحف البحرية، ما يعزز فرص تطوير السياحة البيئية إذا ما تم الاهتمام بالحياة البحرية والبرية. ويرى أن المناخ ليس عائقا حقيقيا بفضل توفر المرافق المكيفة.
كما يربط الهاجري بين السياحة البيئية وأهداف رؤية كويت جديدة 2035، خصوصا ركيزة الاستدامة البيئية، كاشفا عن سعي الجمعية للتنسيق مع الجهات الحكومية لتسويق مشروع حدائق الكويت الجيولوجية ضمن مبادرة "الجيوبارك" التابعة لليونسكو، للحفاظ على الإرث الطبيعي والبيئي واستثماره في السياحة المستدامة.
"مقومات طبيعية"
أمين صندوق اتحاد المؤسسات والشركات البيئية المتخصصة، والخبير البيئي د. محمد الصايغ، يرى أن الكويت تملك جزرا ومناطق ساحلية وبيئة صحراوية فريدة، فضلا عن مواقع للطيور المهاجرة، لكنها لم تحوّل هذه الموارد إلى قطاع اقتصادي مستدام بعد. ويعزو ذلك إلى ضعف التخطيط الاستراتيجي وانحياز السياسات السابقة للسياحة التجارية والترفيهية، مشيرا إلى تحديات تتمثل في نقص الوعي، ضعف البنية التحتية، وغياب التشريعات التي تحمي الموارد الطبيعية. ويرى الصايغ أن الموقع الجغرافي للكويت يمنحها فرصا لتكون مركزا لسياحة الغوص والرحلات البحرية ومراقبة الحياة البحرية، إلى جانب إقامة مراكز تعليمية لمراقبة الطيور. ويشدد على أن التنمية المستدامة هي الأساس، عبر وضع ضوابط للأنشطة السياحية في المناطق الحساسة، وتشجيع الطاقة النظيفة، وتنفيذ برامج لإعادة تأهيل النظم البيئية.
"سياحة المانغروف"
أكدت الأمين العام للجمعية الكويتية لحماية البيئة، الدكتورة جنان بهزاد، أن تطوير السياحة البيئية هو استثمار في مستقبل الكويت، مشيرة إلى أن الاهتمام بالموارد الطبيعية ينعكس على جودة حياة الأجيال المقبلة ويمنح البلاد موقعا مميزا بين الدول الرائدة في هذا المجال. وأضافت أن تحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة خطوة ممكنة وليست مجرد رؤية بعيدة.
وأوضحت أن الكويت تمتلك فرصة لأن تكون لاعبا مهما في سياحة غابات المانغروف على مستوى دول مجلس التعاون، التي تبلغ مساحتها الإجمالية نحو 15,813 هكتارا، تتركز معظمها في السعودية والإمارات، مع مواقع بارزة في قطر وعُمان مثل متنزه المانغروف في جبيل، ومنطقة الذخيرة، وسواحل مسقط. وأشارت إلى أن هذا النظام البيئي يتميز بقدرته على تخزين الكربون، وحماية السواحل، والحفاظ على التنوع الحيوي، إلى جانب قيم اقتصادية تتمثل في خلق فرص عمل ودعم الناتج المحلي وتنويع مصادر الدخل، فضلًا عن قيم اجتماعية وثقافية تعزز التراث البحري وتنشر التعليم البيئي. وأشارت بهزاد إلى أن محمية الجهراء الطبيعية تقدم نموذجاً محلياً مميزاً، إذ شهدت منذ عام 2018 تجربة زراعة أشجار المانغروف، ما جعلها وجهة فريدة لإدخال هذا النظام البيئي في السياحة البيئية. واختتمت بطرح مقترحات لتطوير هذا المسار، من بينها إنشاء مسارات تعليمية مزودة بلوحات إرشادية وتطبيقات ذكية، وتنظيم رحلات مدرسية وجولات يقودها مختصون، وإنشاء مركز زوار للتثقيف البيئي، وربط المشروع بمبادرات السوق الكربوني الأزرق، إضافة إلى إقامة مهرجان بيئي سنوي لتعزيز المشاركة المجتمعية والتطوع البيئي.
"المغامرات الصحراوية...كورنيش الجهراء"
قالت عضو المجلس البلدي ورئيسة لجنة شؤون البيئة، المهندسة علياء الفارسي، إن الكويت تمتلك مقومات متعددة للسياحة البيئية، لكنها ما زالت في طور النمو، مشيرة إلى تقدمها بمقترح لإنشاء حديقة الدراجات الهوائية كإضافة نوعية لهذا القطاع. ولفتت إلى أن منطقة المباركية بما تحويه من مكونات تراثية وثقافية مرتبطة بالبيئتين البحرية والبرية، تعد من أبرز الوجهات الجاذبة للسياح في الخليج والمنطقة العربية. وأوضحت أن البلدية تعمل على مشروعين مهمين يدعمان السياحة البيئية، هما مشروع المغامرات الصحراوية ومشروع تطوي كورنيش الجهراء، الذي يتضمن جسراً مخصصاً لمراقبة حركة الطيور المهاجرة في المنطقة. واختتمت الفارسي بالتأكيد على أن الكويت دولة بحرية يمكن استثمار سواحلها وتطوير خدماتها لدعم السياحة البيئية، مشيرة إلى العمل الجاري على استحداث وظيفة المرشد السياحي لتعزيز المعرفة بالتقاليد والتراث الكويتي المرتبط بالبيئة البحرية والبرية، مؤكدة أن الوقت قد حان لامتلاك الكويت سياحة بيئية شاملة ومتطورة على غرار التجارب الناجحة في دول الخليج.
د.جنان بهزاد في أحد المواقع للسياحة البيئية
فرص الكويت في السياحة الخضراء
رغم أن الكويت لم تعرف عالمياً بالسياحة البيئية، إلا أن مقوماتها قادرة على تحقيق مردود اقتصادي إذا دعمتها خطط تطوير جادة، وأبرزها:
محمية الجهراء: محطة رئيسية لمراقبة الطيور المهاجرة، تضم أكثر من 300 نوع.
•جزر بوبيان وفيلكا وكبر: بيئة بحرية تزخر بالشعاب المرجانية والسلاحف، إضافةً إلى آثار حضارة دلمون التي تعود لأكثر من 2000 عام.
•الكثبان الرملية والمناطق الصحراوية: بيئة مثالية لتطوير رحلات السفاري والتخييم المستدام.
• مشاريع إعادة تأهيل مرادم النفايات: فرصة لتحويلها إلى متنزهات بيئية، على غرار تجربة جزيرة Pulau Semakau في سنغافورة.
• الواجهة البحرية والمحميات البحرية: مواقع واعدة لأنشطة الغوص البيئي وحماية الشعاب، بانتظار مستثمرين جادين لاستثمار إمكاناتها.
الإمارات المتصدرة
تتصدر دولة الإمارات المشهد الخليجي في مجال السياحة البيئية، حيث تمتلك مقومات طبيعية جعلتها مركز جذب للسياح من جميع أنحاء العالم. وتحتضن 128 موقعاً بيئياً متنوعاً، وتتميز بمناظر خلابة وتضاريس متعددة، من الصحارى الرملية بأجمل كثبانها، والواحات، إلى السلاسل الجبلية والوديان والشواطئ، فضلا عن غابات المانغروف والسهول.
الأرقام ترسم ملامح سياحة مستدامة عالمياً
وفق أحدث تقارير المنظمة العالمية للسياحة (UNWTO)، بلغ حجم سوق السياحة البيئية عالميا نحو 219.8 مليار دولار في 2024، أي ما يعادل 12 – 15% من صناعة السياحة العالمية، وبمعدل نمو سنوي يقارب 7.4%، وهو أعلى من نمو السياحة التقليدية. من المتوقع أن يصل حجم السوق إلى 270.5 مليار دولار في 2025، ويتجاوز 550 مليار دولار بحلول 2035.
عربيا، لا يزال نصيب الدول أقل من 5% من السوق العالمي بسبب ضعف البنية التحتية والاستثمار، مع تصدّر المغرب وتونس والأردن وعُمان المشهد، وخليجيا الإمارات وسلطنة عُمان والسعودية وقطر. أما الكويت فلم تدخل السوق بقوة بعد، رغم امتلاكها مقومات واعدة مثل جزر بوبيان وفيلكا، ومناطق الطيور المهاجرة، ومشروع "تلال القرم" في حال تنفيذه.
وتبقى كوستاريكا، كينيا، الإكوادور (جزر غالاباغوس)، أيسلندا، النرويج، ونيوزيلندا من أبرز الوجهات البيئية عالميا.