في وقت اعتاد فيه البعض إدارة الأمور من خلف المكاتب المكيفة، يبرز معالي النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية، الشيخ فهد اليوسف الصباح كواحد من أولئك القادة النادرين، الذين يفهمون أن الأمن لا يُدار من بعيد، وأن هيبة الدولة تُصان في الميدان، لا عبر التقارير الرسمية.
لم يكن المشهد غريباً على من يعرفونه، أن تراه يترجل من مركبته الرسمية في منتصف الليل، يقف بين رجاله على أحد الحواجز الأمنية، يُراقب، يُوجه، يُحاسب، ويُعطي المثال الحيّ لما تعنيه القيادة الحقيقية، ليس مجرد اسم يتردد في نشرات الأخبار، بل وجه حاضر في المواقف الصعبة، وروح تُحفز رجال الأمن على أن يبذلوا أكثر، لا لأنهم مجبرون، بل لأنهم مؤمنون بقيادتهم.
في مشهدٍ أصبح نادراً، كان الشيخ فهد اليوسف يتنقل بين المناطق، يتفقد النقاط الأمنية، يشارك في الحملات، يُداهم، يتفحص، ويبتسم في وجه رجل الأمن وهو يربت على كتفه شاكراً ومقدّراً، لم تكن تلك استعراضا أمام الكاميرات، بل قناعة راسخة أن من لا يعرف تفاصيل الميدان، لن يُحسن اتخاذ القرار من أعلى الهرم.
ما يميزه عن غيره من المسؤولين هو فهمه العميق لطبيعة العمل الأمني، ليس فقط كضابط سابق، بل كقائد يرى في الميدان نبض الدولة الحقيقي، وكم من مسؤولين جلسوا على الكراسي سنوات طويلة دون أن تطأ أقدامهم مواقع رجالهم، بينما هو، لا يهنأ له بال دون أن يرى الأمور بعينيه ويسمعها من مصدرها الأول "شارع".
لم تأتِ إشادة رجال الأمن والمواطنين به من فراغ، فهو يمتلك مزيجاً نادراً من الحزم والفهم، الانضباط والإنسانية، يجمع بين عقلية القائد العسكري الذي لا يتهاون في تطبيق القانون، وبين قلب المواطن الذي يشعر بوجع الشارع، وتفاصيل الحياة اليومية للناس.
أطلق مبادرات، أعاد هيكلة قطاعات، دعم الكفاءات الشابة، وواجه الفساد والتقصير بحزم.
يرى أن الكرسي ليس تشريفاً، بل تكليفاً ومسؤولية، وأن الشجاعة ليست في الصوت العالي، بل في القرار الصعب وقت الحاجة.
في أوقات الأزمات، كان حضوره كفيلاً بتهدئة النفوس، وردع العابثين، لم يكن بحاجة إلى كاميرات أو شعارات، فوجوده وحده كان كافياً لإيصال الرسالة: الدولة حاضرة، ورجالها لا ينامون، عرف أن الأمن لا يتحقق فقط بالدوريات والأسلحة، بل بالعدل، والانضباط، والقدوة.
ولأن القيادة لا تُصنع بالمصادفة، بل تُبنى بالتجربة والتواضع، استطاع الشيخ فهد أن يُشكّل حالة نادرة من الالتفاف الشعبي حول رجل أمن، تُكتب عنه المقالات، وتُروى عنه القصص، لا لأنه يبحث عن الأضواء، بل لأنه ببساطة يستحقها.
الشيخ فهد اليوسف نموذج لرجل الدولة الذي لا يكتفي بالتوجيه من فوق، بل ينزل إلى الميدان، يرى، يسمع، يتفاعل، ويقود، قد يترك مكتبه لساعات، لكنه لا يترك موقعه في قلوب الناس، رجل لم يغيّره المنصب، بل هو من غيّر مفهوم المنصب نفسه.