لفت انتباهي تصريح مهم لسمو رئيس مجلس الوزراء في لقائه مع وفد صيني، وهو تصريح قلما سمعناه من مسؤول، ويعطي أهمية لتوطين الصناعة، وهو أمر في غاية الأهمية، بعد أن كان جل التركيز، إن لم يكن كله، على هدف "مركز مالي وتجاري" الذي بدأ يفقد جاذبيته وبريقه، ولعل هذا التوجه الجديد، إذا ما تم أخذه على محمل الجد، فكراً وممارسة، يضفي بعداً جديداً، وأفقاً مهماً لاقتصادنا الوطني.
لكن، وأضع عشرين خطا تحت "لكن"، إن توطين الصناعة ليس بالأمر الهيِّن، وله متطلبات تحتاج القناعة، والجهد الجهيد، والمثابرة والمتابعة، وفوق ذلك كله، تحتاج إلى ستراتيجية صناعية شاملة ومدروسة، وواقعية وطويلة الأمد، مبنية على خارطة استثمارية صناعية تكشف المقومات الكامنة في اقتصادنا الوطني، وفرص الاستثمار الصناعي الواعدة فيه وموقعها في سلاسل القيمة في الأسواق المحيطة والعالمية.
بطبيعة الحال، فإن عماد التصنيع هو قطاع خاص يؤمن بأهمية التصنيع، لا قطاع خاص ديدنه إغراق السوق بالواردات، وهذه مسألة في غاية الأهمية، فالتصنيع يمكن أن تشجعه وتدعمه وتنظمه الحكومة، وتكون فيه شريكا مع القطاع الخاص، لا أن يكون شأنها وحدها.
والأمر لا يقف عند ذلك، فتوطين الصناعة يتطلب تركيزا خاصا على تأهيل موارد بشرية مؤهلة، وتركيزا على تطوير التعليم الفني والتقني، وربط الجامعات بالنشاط الاقتصادي، والبدء بإنشاء مراكز البحث والتطوير في المجالات والأنشطة الصناعية الواعدة، وفي كل ذلك، تحسين مناخ الاستثمار، وتبني سياسات صناعية تدعم المنتج الوطني.
والسؤال المهم هنا: هل تصريح سمو الرئيس واقعي وممكن ومطلوب، وجوابي: نعم، فتوطين التصنيع ممكن وأحد أهم أدوات إصلاح اقتصادنا الوطني ويجب أن نبدأ به، ونعمل على توفير متطلباته العديدة، ومنها ما ذكرته أعلاه، ومن قطاعاته الواعدة تطوير منتجات جديدة في قطاع البتروكيماويات، والصناعات الغذائية، والصناعات الدوائية والمستلزمات الطبية البسيطة، وتكنولوجيا الطاقة المتجددة، تلك جميعا في متناولنا، والله الموفق.