"أمن الكويت الصحي" ليس سلعة يمكن استيرادها!
د.فواز العومي: الاستيراد يكلف 1.8 مليار دولار سنوياً ويهدد الأمن الصحي
د.أحمد تقي: مصنع واحد لا يكفي والصناعة الدوائية ضرورة ستراتيجية
د.شيماء عبدالحسين: توطين الصناعة لحماية المجتمع وخفض الفاتورة
د.نوف القحطاني: صناعة دوائية محلية تعزز الأمن الصحي وتستقطب الاستثمار
لم تعد صحة الشعوب مجرد قضية طبية، بل معركة استراتيجية تتعلق بأمن الدول وسيادتها. فقد هزّت جائحة "كوفيد – 19" سلاسل الإمداد الدوائي حول العالم، كاشفة هشاشة الاعتماد على المصانع البعيدة والموانئ المغلقة، ومدى ضعف الدول المستوردة أمام أزمات التوريد المفاجئة.
وفي الوقت الذي تحركت فيه الكثير من الدول العربية والخليجية بسرعة نحو توطين صناعاتها الدوائية لضمان أمنها الصحي، يظل السؤال الكبير في الكويت: متى ننتقل من مستهلكين نعتمد على الخارج إلى منتجين نمتلك قرارنا الدوائي، خاصة مع تجاوز فاتورة الدواء نصف مليار دينار سنويا من الموازنة العامة؟ الأمن الدوائي يعني قدرة الدولة على تأمين احتياجاتها الدوائية الحيوية بعيدا عن تقلبات السوق وأزمات التوريد. وهو مطلب أصبح من أساسيات السيادة الوطنية في عالم متغير سريع الاضطراب.
نماذج النجاح واضحة في مصر، الأردن، الجزائر وتونس، إضافة إلى دول خليجية مثل السعودية التي تتوقع نمو إيرادات قطاعها الدوائي إلى 16.8 مليار دولار بحلول 2034، والإمارات التي أعلنت هذا العام إنشاء ثلاثة مصانع دوائية باستثمارات تتجاوز 84 مليون دولار. هذه الدول لا تبني صناعاتها الدوائية فحسب، بل تعزز اقتصادها الوطني، وتوفر فرص عمل، وتضمن استقرارًا صحيا لحكوماتها وشعوبها. اليوم الكويت واقفة على مفترق طرق حاسم: هل ستظل مستوردة تتحمل تقلبات الأسواق العالمية، أم ستخطو بخطوات ثابتة نحو بناء صناعة دوائية محلية تضمن الأمن الصحي والاقتصادي؟ القرار بين أيدينا، والتحدي في قدرتنا على اتخاذه بحكمة وسرعة. فالأمن الدوائي للكويت ليس رفاهية، بل ضرورة وطنية لا تقبل التأجيل.
التقت "السياسة" عدداً من الصيادلة والمتخصصين في القطاع الصيدلاني في الكويت، الذين أجمعوا على أن الصناعات الدوائية ليست رفاهية أو مشروعاً صناعياً عابراً، بل ركيزة ستراتيجية لتعزيز السيادة الصحية والاقتصادية، وترسيخ موقع الكويت في خارطة الصناعات الدوائية الإقليمية.
تحديات متراكمة
وفي هذا السياق، أوضح أمين عام اتحاد مستوردي الأدوية والصيدليات فواز العومي: "أن قطاع التصنيع الصيدلاني في الكويت يواجه تحديات متراكمة، أبرزها محدودية الاستثمار في البحث والتطوير، النقص في الكفاءات الفنية المتخصصة، إضافة إلى التعقيدات الإجرائية والتنظيمية التي تعيق جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية المباشرة. وأضاف العومي: "الاعتماد شبه الكلي على الاستيراد يضعف القدرة التنافسية للكيانات المحلية ويجعل الأسعار والتوافر رهينة للتقلبات الخارجية".
وأشار إلى أن تطوير قاعدة صناعية دوائية محلية لا يقتصر أثره على البعد الصحي فحسب، بل يمتد ليشكل مكوّناً رئيسياً من مكونات الأمن الوطني، إذ يسهم في تقليص الاعتماد على الاستيراد والذي يصل سنويا إلى نحو 1.8 مليار دولار، ويوفر استجابة أكثر مرونة للأزمات الصحية المفاجئة.
ورأى العومي أن الصناعات الدوائية تمثل قطاعا استراتيجيا ذا قيمة مضافة لاقتصادات الدول، نظرا لارتباطها بالمعرفة والتقنيات المتقدمة، مشددا على أن وجود صناعة دوائية وطنية يسهم في تنويع القاعدة الاقتصادية، وتوفير فرص عمل نوعية للكوادر الوطنية، وتقليل فاتورة الاستيراد التي قد تشكل عبئا على الميزان التجاري، فضلا عن إمكانية تصدير الفائض إلى أسواق الخليج والمنطقة بما يعزز مكانة الكويت كمركز إقليمي واعد في مجال الأمن الصحي.
وختم العومي بالتأكيد على أن توطين الصناعات الدوائية ليس مجرد مشروع صناعي، بل ركيزة ستراتيجية لتعزيز السيادة الصحية والاقتصادية، وترسيخ موقع الكويت إقليمياً في هذا القطاع الحيوي.
رؤية وطنية
من جانبه أكد رئيس الجمعية الصيدلية الكويتية د. أحمد تقي أن دولة الكويت تدرك أهمية توطين التصنيع الدوائي لتعزيز أمنها الصحي وتنويع مصادر دخلها الوطني، مشددأً على أن الصناعات الدوائية ليست رفاهية او خدمة إضافية، بل عنصر أساسي في اي منظومة صحية متكاملة، وهو ما عكسته توجيهات الدولة خلال السنوات الماضية وحرصها على تبني هذا المشروع في المرحلة المقبلة.
وأشار تقي إلى أن الكويت تمتلك حالياً مصنعاً واحداً فقط للصناعات الدوائية هو" الشركة الكويتية السعودية"، الذي يلبي جزءا من احتياجات السوق المحلي، لكنه غير قادر على تغطية الطلب المتنوع نظراً لكثرة التركيبات الدوائية وتعدد خطوط الإنتاج. ولفت إلى أن القطاع الدوائي يستنزف أكثرمن 500 ألف دينار سنوياً من موازنة العامة، وبلغ في إحدى السنوات نحو 800 ألف دينار، موضحا أن استثمار هذه المبالغ في إنشاء بنية تحتية صناعية سيؤدي إلى توفير مخزون دوائي استراتيجي يحمي البلاد من تقلبات الأسواق العالمية والأزمات الجيوسياسية التي قد تؤدي إلى تعطل سلاسل الإمداد أو الملاحة البحرية والجوية لأي سبب. وأضاف تقي أن الكويت ما زالت تواجه عقبات تعيق تنفيذ هذا التوجه، أبرزها غياب الأراضي المخصصة للتصنيع الدوائي، مضيفاً: "هناك رغبة حقيقية من مستثمرين محليين لتأسيس مصانع دوائية، لكن عدم توفر أراضٍ مجهزة من قبل الهيئة العامة للصناعة يعيق هذه الجهود".
وأعرب عن أمله في أن تتحقق الرؤية الوطنية بتوفير أراضٍ ملائمة لجذب استثمارات محلية وعالمية، مؤكداً أن الصناعات الدوائية لا تعزز الأمن الصحي فقط، بل تحرك عجلة الاقتصاد الوطني عبر تنشيط قطاع النقل والخدمات اللوجستية، وتوفير فرص عمل نوعية للصيادلة والكوادر الوطنية، بما يسهم في دعم بند الرواتب في الموازنة العامة للدولة.
سلبيات الاستيراد
بدورها، أكدت اختصاصي أول صيدلة شيماء عبد الحسين إن جائحة "كورونا " كشفت هشاشة الاعتماد على استيراد الأدوية، بعدما شهد العالم نقصاً حاداً في العديد من الأصناف الحيوية.
وأضافت: "وفي الكويت، أصبحت الدعوات إلى توطين الصناعات الدوائية أكثر إلحاحاً، باعتبارها ركيزة أساسية لتحقيق الأمن الدوائي وضمان توافر الأدوية الضروية، خصوصاً أدوية الأمراض المزمنة والمضادات الحيوية".
وأشارت عبد الحسين إلى أن إنشاء مصانع دوائية محلية سيمنح البلاد قدرة أكبر على مواجهة الأزمات وتكوين مخزون استراتيجي يقلل من المخاطر المستقبلية، إلى جانب تسريع الاستجابة في حال ظهور طارئ صحي جديد. لكنها لفتت في الوقت نفسه إلى وجود تحديات عدة تواجه القطاع الصيدلاني، أبرزها الاعتماد الكبير على الاستيراد، وتأخر تسجيل وتسعير الأدوية، والتباين في توافر الأصناف خصوصاً المتعلقة بالأمراض المزمنة، إضافة إلى محدودية الكوادر المتخصصة في التصنيع الدوائي.
وشددت عبد الحسين على أن توطين الصناعات الدوائية في الكويت لم يعد خياراً، بل ضرورة وطنية لحماية المجتمع ودعم الاقتصاد، داعية إلى ضرورة تطوير أنظمة رقابية صارمة لضمان جودة المنتج المحلي وفق المعايير العالمية، لما لهذه الصناعة من قيمة اقتصادية مضافة تسهم في تقليل فاتورة الاستيراد، وفتح فرص عمل جديدة للشباب الكويتي، وتعزيز البحث العلمي والشراكات مع الجامعات، فضلاً عن إتاحة الفرصة للتصدير بما يعزز مكانة الكويت في الأمن الصحي خليجياً وعالمياً.
خطوة ستراتيجية
من جهتها اعتبرت مدير تسجيل و تنظيم الادوية و التيقظ الدوائي في شركة "الغانم هيلث كير" الصيدلانية نوف القحطاني أن توطين الصناعات الدوائية في الكويت يُعتبر خطوة استراتيجية بالغة الأهمية لتعزيز الأمن الدوائي، خصوصاً في ظل الأزمات العالمية التي كشفتاه جائجة "كورونا " وما نتج عنها من نقص حاد في الأدوية.
وتابعت: من خلال تطوير صناعة دوائية محلية، سنقلل الاعتماد على الاستيراد، وسنضمن توافر الأدوية الضرورية للأوقات الحرجة، وهذه الاستراتيجية ستعزز من قدرة النظام الصحي على توفير الأدوية بشكل أسرع وفعال في حالات الطوارئ الصحية، بما يسهم بشكل كبير في استدامة الخدمات الصحية.
وشددت على ضرورة تحسين البنية التحتية اللازمة لتصنيع الأدوية وإنشاء إطار تنظيمي يشجع الابتكار والاستثمار في هذا القطاع الحيوي، إلى جانب تأهيل وتدريب الكوادر الوطنية لضمان تحقيق مستويات عالية من جودة الإنتاج.
وأضافت: "أن المكاتب العلمية للأدوية تلعب دوراً أساسياً في دعم هذة المنظومة، عبر تسهيل استيراد الأدوية وتوزيعها بفعالية، وتقديم الدعم الفني والتسويقي للشركات المحلية، بما يعزز الثقة في المنتجات المتاحة في السوق، فضلاً عن تحديث المعلومات الخاصة بالأدوية الجديدة، لتمكّين الأطقم الطبية من اتخاذ قرارات علاجية دقيقة.
الفوائد
• تعزيز الأمن الدوائي المحلي.
• ضمان استقرار توافر الأدوية الأساسية في السوق بعيدا عن الاضطرابات الدولية.
• رفع ثقة المجتمع في المنظومة الصحية.
• توفير فرص نوعية للكوادر الوطنية والصيادلة الكويتيين.
• دعم الاقتصاد الوطني وتنويع مصادر الدخل.
• تقليص الاعتماد على الاستيراد وازدهار قطاع التصنيع الدوائي الكويتي.
• ترسيخ مكانة الكويت كمركز إقليمي واعد في مجال الأمن الصحي تصدير الفائض إلى أسواق الخليج والمنطقة.
التحديات
• محدودية الاستثمار في البحث والتطوير.
• نقص الكفاءات الفنية المتخصصة.
• التعقيدات الإجرائية والتنظيمية التي تعيق جذب الاستثمارات المحلية و الأجنبية.
• الاعتماد شبه الكلي على الاستيراد، ما يضعف ويؤثر على الأسعار والتوافر.
• نقص الأراضي الصناعية المخصصة للتصنيع الدوائي.
• تأخر تسجيل وتسعير الأدوية.