وظيفة البنوك في كل العالم تمويل المشاريع والشركات، إما لقاء رهونات وإما استناداً إلى سمعة الشركة والمؤسسة، وثمة قواعد في هذا الشأن، منها إذا كان الرهن أكثر من القرض بضعفين أو ثلاثة أضعاف، فذلك يعني القدرة على التسديد، مهما طال الزمن، ولا يمكن وقف معاملات المقترض لتعثره الموقت.
في المقابل، يحكم السوق طبيعة التعامل مع الراهن، فعندما تتوقف مشاريع الدولة، لسبب ما، ويكون هناك جمود في الحركة الاقتصادية، تعمل البنوك على تخفيف شروطها، وتتفهم واقع الحال، وإذا كان هناك أي تعثر في مكان ما، فإن البنك يلجأ إلى إعادة الجدولة ومواعيد الدفع، كي لا يفقد عملاءه، ومنح العميل ما يسمى موعداً لبدء الدفع.
هذا المفهوم موجود في كل دول العالم، ولهذا نرى أن القروض تكون على فترات طويلة، بل إن الممول، أي البنك، يجد الثغرات المساعدة للراهن كي يستمر في الإيفاء وفق مقدرته، لأن الأساس توليد الأموال، وتشجيع الإقراض، وتحريك العجلة الاقتصادية، خصوصاً إذا كانت الرهون أكبر من القرو، بأضعاف، وإذا كانت الحال الاقتصادية ضعيفة.
إن الدول تشجع على القروض، لأنها تدرك أن ذلك يفتح الآفاق أمام الناس كي يساعدوا في تطوير الحركة التجارية والتنموية، لكن يبدو أن بعض البنوك تتشدد في التعامل مع العملاء، غير مكترثة بالقواعد الصحيحة المعمول بها في التمويل، وتنسب ذلك التشدد إلى البنك المركزي، بينما هي تدرك تماماً أنه يعمل على تسهيل النشاط المالي، لأن الجمود يرفع من نسب التضخم، وهو ما لا يرغب فيه أي بنك مركزي في العالم.
وعندما ينخفض الإنفاق العام على مشاريع التنمية، أو يتوقف، جراء مخاطر في الإقليم أو بعض الدول، تقع الشركات في مأزق المواءمة بين متطلباتها وخدمة دينها للبنك، ولهذا يعمل الأخير على تخفيف القيود، بل يبقي على تمويل الشركة، ولا يطالب بتسهيل الضمانات كي لا يقع في أزمة عدم التمويل.
أما حين يلجأ إلى القضاء أو استخدام الطرق القانونية، فهو بذلك يكون قد عطّل المشاريع، ما يعني خسارة له وللعملاء، لا سيما إذا كان الدين ضئيلاً، أو كانت الرهون أكبر بكثير منه... فما رأي بعض البنوك عندما تتأخر الدولة في دفع مستحقات الشركات؟
بعض البنوك تلجأ إلى ذلك رغم معرفتها أن الأصول المرهونة، إذا لا سمح الله، وقعت الشركة في عجز ما، تفي بالغرض وأكثر، لأن العجز يكون مرحلياً، لسبب معين ربما خارج عن إرادة المؤسسة، التي لها تاريخ طويل من التعامل مع البنك، وكانت تفي بحقوقه من دون تأخير، وكما أن رهناً واحداً يسدد القرض ويزيد.
ومن المعروف في هذه الحالات أن البنوك المركزية في العالم تعمل على تخفيف الإجراءات، وتراقب تشدد بعض البنوك على عملائها، وهو تشدد لا مبرر له، لأنها تدرك أن لا أحد يستفيد من وقف التمويل، ولا تفرض على البنوك التشدد كي لا تقع الشركات في مخاطر معينة لا تخدم الحركة الاقتصادية في البلاد، لأن نهاية ذلك تعطيل الحركة المالية التي هي أساس انتعاش الدولة.
هناك بعض المؤسسات المالية تدير تمويلها بطرق حكيمة، لأنها تدرك أن وجودها يعتمد على الشركات والأفراد الذين هم عملاؤها، بل تسعى إلى تنويع محفظتها من خلال زيادة الرهون، وتعرف أن المسارات القانونية قد تطول، لذا فإنها تساعد نفسها من خلال مساعدة المقترضين، وقبول حججهم، خصوصاً إذا كان هناك جمود تنموي في الدولة، أي دولة، لهذا فإن البنك المركزي، يعمل بحكمة كبيرة من أجل حماية الاستقرار المالي والائتمان، وتوفير السيولة من أجل استمرار تشغيل الحركة الاقصادية.
نضع الأمر أمام البنك المركزي، فنحن في دولة تسعى إلى تحقيق مسار تنموي كبير ومهم، ولا نريد العبث به.
كلامنا واضح عمن لديهم ملاءة وأوضاعهم في العمل مريحة، ورهونهم قوية، فلماذا لا تكون العلاقة معهم جيدة ومتفاعلة؟