قصص إسلامية
"لكل شيء إذا ما تم نقصانُ
فلا يُغَّر بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دولٌ
من سرَّه زمن ساءته أزمان
وهذه الدار لا تُبقي على أحد
ولا يدوم على حال لها شانُ"
(الشاعر أبو البقاء الرندي).
إن الدنيا لا تبقى على حال واحدة، وأن الأيام تتغير والأدوار تتبدل وتتغير باستمرار، وcvvهي سنة الحياة.
يجب أن تعرف الأجيال الجديدة، واللاحقة، في الخليج والجزيرة، أن فلسطين والفلسطينيين قديماً لهم فضل على الخليج والجزيرة العربية، بل إن العمل الخيري الفلسطيني كان يساهم في رفع معاناة أهل الخليج والجزيرة العربية أيام الفقر، قبل اكتشاف النفط.
فضلاً عن مساهمتهم في إرسال المدرسين الفلسطينيين من دون مقابل إلى الخليج، مع تحمّل مصاريفهم، كما فعل الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين، رحمه الله، حين بعث المدرسين إلى الكويت، ولا يزال بعض أحفاد المدرسين موجودين في الكويت، معززين مكرمين يحملون الجنسية الكويتية.
من سيدات العمل الخيري الفلسطيني قديماً مكرم أبوخضرة، التي ولدت في مدينة غزة عام 1920، والدها هو السيد سليم أبو خضرة، من أثرياء مدينة غزة، وقد كان رئيساً لمجلس المعارف.
بعد وفاة والدها، ورثت هي ووالدتها عائشة أبو خضرة أملاكاً كثيرة، فمنحت وزارة "الأوقاف" عام 1946 أرضاً لبناء مسجد ومستشفى ومدرسة إكمال الجامعيين، كما تبرعت لها بمبلغ 30 الف جنيه فلسطينية.
ومن الجدير بالذكر أنه تمت إقامة مجمع الدوائر الحكومية المعروف بـ"مجمع أبو خضرة" في تلك الأرض التابعة للأوقاف، وقد تم إخلاؤها اخيراً لبناء المستشفى التي تم التبرع بالأرض من أجلها.
وفي عدد صحيفة "الجامعة العربية" الصادر في فلسطين يوم الأربعاء 30 ربيع الثاني 1354 هجرية الموافق الموافق 31 تموز(يوليو) 1935 ميلادية، نشر على الصفحة الأولى الخبر التالي "تبرع أهالي الخليل لفقراء المدينة (المنورة)، أما الفلسطينية مكرم أبو خضرة من غزة فتتبرعت بمبلغ 10 آلاف جنيه فلسطيني (ما قيمته حينذاك 10000 جنية استرليني ذهب) لبناء مستشفى في المدينة المنورة".
تفاصيل الخبر العائد لعام 1945 "وصل إلى القاهرة، حيث كان سعادة الدكتور محمد علي الشواف بك مدير صحة منطقة المدينة المنورة متواجداً لقضاء فترة من الوقت في مصر، وقد تم الاتصال بالدوائر الهندسية وبغيرها لتنفيذ مشروع إنشاء مستشفى خيري كبير في المدينة المنورة، وهو المستشفى الذي كانت المحسنة الفلسطينية المعروفة السيدة عائشة أبو خضرة، وكريمتها السيدة مكرم قد تبرعتا لإنشائه بمبلغ عشرة آلاف جنيه فلسطيني، كما قامت بالتبرع لبناء عقارات باسمها بجانب الحرمين الشريفين".
وللعلم، فلسطين كانت، حينئذ، مستعمرة صهيو ــ بريطانية، والشعب الفلسطيني كان يقاسي الاحتلالين، ومنخرط في حرب تحرير.
لقد تم اختيارها لرئاسة جمعية الاتحاد النسائي العربي عام 1946، وقد شاركت في إنشاء مركز لمحو الأمية، بالإضافة إلى إقامة أسواق خيرية ومساعدة الفقراء، وتوفيت عام 1955، ودفنت إلى جوار مسجد أبي خضرة بغزة. رحمها الله رحمة واسعة وأسكنها فسيح جناته.
قال فيها أحد الشعراء:
"قلّدت غزة من صنيعك مِنّة
وأقمتِ صرحا ثابت الأركان
وتركتِ للأجيال كنزا خالدا
في الجود والمعارف والإحسان
طرق المكارم يا مكرم جمّة
وأجلّها ما كان للأوطان"
إمام وخطيب