ما حصل بالأمس القريب اعتداء إسرائيلي لقادة "حماس" في الدوحة انتهاك صارخ للأعراف الدولية، وتجاوزات خطيرة في المنطقة بسبب عنجهية إسرائيل وتغاضي الولايات المتحدة، بل رضاها التام على تصرفاتها، ونجزم انه توجيه من القادة والساسة الأميركيين.
تصف إسرائيل بعض قادة "حماس" أنهم عقل العمليات والتخطيط لمنفذي هجمات كبرى على أراضيها، واستهدافهم يهدف إلى تعكير قدرة الحركة على التنسيق، لكن الضربة خارج حدود غزة ترفع تكلفة ذلك كثيراً. الضربة توجه رسالة أن إسرائيل مستعدة لخرق خطوط "المنطقة الرمادية"، ورسالة موجهة إلى جمهورها وللخصم السياسي.
إذا كان الهدف تعطيل مبادرات وقف إطلاق النار، أو الضغط على وسطاء لتسليم قادة، أو تغيير شروط التفاوض.
الضربة تحقق إرباكاً للعمليات الديبلوماسية، وهو أثر مرجح لا شك فيه.
قطر كانت وسيطاً فعالاً في مفاوضات تبادل وقف نار؛ واستهداف مفاوضين على أرضها يعرض العملية للتعطيل، ويقلل ثقة الأطراف بالوساطة، وهذا قد يؤخر، أو يقضي على فرص صفقة اعتُمدت على حل تفاوضي قريب. الدول الخليجية ستطالب بردود ديبلوماسية، وقد تُعلِّق تعاوناً عسكرياً أو تجارياً مع إسرائيل موقتاً، أو تضغط في المنتديات الدولية، وبهذا الدعم السياسي لقطر سيتسع.
الديبلوماسية الخليجية ستتفاعل بعنف، لكن ليست كل الأطراف تريد حرباً شاملة؛ لذا نتوقع سلسلة بيانات واستدعاءات سفراء وعقوبات ديبلوماسية جزئية، مع احتواء ميداني لعدم وصول الصراع إلى حرب إقليمية كاملة.
كما قلنا في اول المقالة العلاقات الاميركية ـــ الإسرائيلية، لها ما لها، وما عليها، ولهذا إذا ظهرت أدلة على موافقة أميركية صريحة أو تواطؤ، فقد يتحوّل المشهد إلى اختبار لشرعية السياسات الأميركية في المنطقة، مع ضغوط برلمانية أو ديبلوماسية على واشنطن، وهذا الاحتمال يعتمد على مزيد من الأدلة والوقائع.
قطر قالت إن الضربة تقوّض آمال إطلاق سراح أسرى، رهائن؛ وعملياً هذا يعني إبطاء أي صفقة قريبة.
إذا أصبحت ساحات التفاوض غير آمنة حتى على أرض وسيط، سيزداد تشدّد المواقف، لا سيما لدى من يراهنون على التفاوض كطريق للخروج.
في المقابل، هناك بعض المكاسب لإسرائيل (قصيرة المدى): رسالة ردع داخلية، وتوجيه ضربات لشبكات قيادية؛ تعزيز سردية الأمن، لكن هذه المكاسب عالية التكلفة ديبلوماسياً.
وهناك خسائر لإسرائيل (متوسطة/طويلة المدى) تآكل شرعية التحالفات الإقليمية، تضييق مساحات التنسيق مع دول الخليج، مخاطر استنزاف عسكري إذا تصاعدت الردود.
الضربة في الدوحة انتقلت بالصراع من خانة المواجهة المحلية إلى اختبار لحدود السيادة الإقليمية والتوازنات الستراتيجية، فهي عمل عسكري ذو وقع نفسي وسياسي أكبر من وزنه التكتيكي؛ وقد تؤدي إلى إعادة ترتيب موقتة للتحالفات الديبلوماسية في الخليج، وبحث دور الولايات المتحدة، وحدود دعمها المتاحة لإسرائيل، إذا اعتبر شركاؤها أن هذا الدعم يعرّض مصالحهم للخطر.
منطقتنا على فوهة بركان نسأل الله السلامة.
كاتب سعودي