معروفة شعوب الخليج بـ"الفزعة"، وهي تنسى كل اختلافات وجهات النظر عندما يتطلب الأمر "فزعة"، ولهذا ما شهدناه في الأيام الأخيرة من "فزعة" خليجية حين تعرضت قطر لعدوان صهيوني، كان تعبيراً عن وحدة المصير الخليجي غير القابل للمساومة، لأن القاعدة تقول: "إذا كان جارك بخير أنت بخير، وما يضيمه يضيمك".
صحيح أن عالم السياسة فيه الكثير من التعقيدات، والحسابات، والمواقف التي تقاس بحرف أو كلمة، لكن هذا ليس موجوداً عند شعوب الخليج، التي منها قادتها، فهؤلاء من هذه الشعوب، لذا حين هب القادة إلى الدوحة، ليس فقط للتعبير عن الإدانة، إنما كذلك للقول للعالم: إننا حزمة، ولسنا أعواداً متفرقة.
هذه الحقيقة لا يفهمها الكثير في العالم، لكنها شكلت صدمة كبيرة في الموقف الدولي، فقطر دولة مسالمة، وكما أسلفنا في السابق، أنها دولة وسيطة، وليست طرفاً، والوسيط دائماً ما يكون له حصانة، فهو محايد، وحين يتعرض لعدوان سافر من طرف كان هو من طلب الواسطة، وكذلك راعيه (الأب الروحي له)، وأعني هنا واشنطن، فذلك يعني الخروج على كل الأعراف.
لذلك كان العالم، حين رأى تلك "الفزعة" الخليجية أعاد حساباته، لأن الدول مصالح، ولهذا فإن الدوحة اليوم، أثبتت أنها أكبر قوة ديبلوماسية، وأن العباءة الخليجية تستر الجميع، وهذا هو "مجلس التعاون" الخليجي، وشعوب المنطقة يباركون هذه "الفزعة"، لأنها تعبر عن الأصالة الخليجية.
هذا في الشق الذي يتعلق بشأن طبيعة المجتمع الخليجي، لكن في ما يتعلق بالموقف الدولي، وكذلك حساسية العدوان الذي يؤكد مرة أخرى أن المعتدي مارق بكل المقاييس، لهذا فإن محاسبته ضرورة دولياً، وليست شأناً قطرياً أو خليجياً، أو عربياً، وإسلامياً، لأن الخروج على كل الأعراف والمواثيق تطرح علامة استفهام كبيرة، أمام المجتمع الدولي برمته وهي: هل هناك كيان أو دولة تستطيع العمل بحرية من دون ضوابط، وهل هذا يعني أن العالم أصبح غابة، تحكمها شريعة الفوضى؟
اليوم وغداً، تعقد قمتان، عربية وإسلامية، في الدوحة، للخروج بموقف موحد، يعبر عن العالمين، العربي والإسلامي، وهو بالضرورة يجب أن يكون حازماً، لأن ما جرى ليس أمراً بسيطاً، ويستدعي إظهار الحزم كي لا تتكرر هذا الأعمال الإجرامية، ليس فقط في الخليج، بل في العالم العربي كله.
أرى في هذا الشأن أن الدعم الدولي، والعربي، والخليجي لقطر قد غير الرؤية كليا، وهو ما يجب البناء عليه، لا سيما أن المنطقة على منعطف مصيري، فإذا تُركت إسرائيل من دون محاسبة، أو قوة ردع مقابلة، يعني أنها أصبحت قادرة على العمل في كل المنطقة بحرية كبيرة.
وهنا علينا أن نقرأ إلى أين ذهبت نتيجة هذا العداون ليس على المنطقة الخليجية، بل أكثر من ذلك، ماذا فعلت بالدور الاميركي الذي أظهر الضعف الكبير، لأنه وضع ستراتيجية إدارة الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب في مأزق حرج، لن تفيد معها الرتوش، أو عمليات التجميل التي تعمل عليها منظومة الدعاية، والعلاقات العامة الأميركية، فالعدوان وضع التساؤل بشأن الثقة بالمظلة الأميركية لأمن المنطقة، وهو سؤال بات يطرح بين النخب الخليجية.
إن هذا السؤال لا يمكن أن يمر مرور الكرام، وإذا كانت الصحف الأميركية بدأت طرح مثل هذه التساؤلات، فهذا يعني أن الادارة الحالية عليها الإجابة عملياً عن السؤال، وأن تعمل على تقليم أظافر إسرائيل، فهل تفعل ذلك، أو تفادي بعلاقاتها مع العرب والمسلمين؟