نعود ونكرر ما قلناه حين أصدرت وزيرة المالية السابقة قرار ما سمي بـ"الشاليهات"، والذي أثار ضجة عارمة، دفعت إلى وقف العمل به بعد يومين من إقراره لـ"مزيد من الدراسة"، إذ قلنا حينها إن أي قرار ينبغي دراسة تداعياته قبل إصداره، كي لا يؤدي إلى الإضرار بمصالح الوطن والمواطنين.
إن أي إجراء يتخذه مجلس الوزراء لا بد أن يكون لتطوير المجتمع، وليس لمزيد من العرقلة، لأنه في النهاية يضر بالناس أجمعين، والوطن.
لهذا، وقبل أيام، اتخذت الهيئة العامة للصناعة قراراً بوقف التنازل عن التراخيص التجارية والحرفية وغيرها، كما أنها تشددت في الأنشطة التي يمارسها مستثمر القسيمة، وهذا لا شك يعرقل أعمال الناس، ويضعف الحركة الاقتصادية والصناعية والحرفية في البلاد، في وقت هي أحوج ما تكون إلى مزيد من التشجيع في المجالات كافة، خصوصاً أن المنطقة تشهد توسعاً استثمارياً في كل القطاعات، ويجب أن تواكب الكويت ذلك كي لا تتخلف عن الركب.
لذا، نرى العكس في الحركة التجارية والصناعية والحرفية التي تشهد عرقلات عدة تحد من حرية الحركة، ما يعني الضغط على الاقتصاد، فحين توقف مئات أو آلاف الرخص، أو تمنع التصرف فيها، فهذا يدفع بالكثيرين إلى أزمات متعددة، أولها عدم إيفاء الالتزامات المصرفية، والتعثر، وليس آخرها إثقال كاهل المستثمر بدفع مستحقات عمالته رغم توقف العمل لظروف خارجة عن إرادته، لأنه عندما يتوقف تجديد الرخص يتوقف كل شيء، حتى النفس.
ومن الطبيعي أن يؤدي ذلك إلى المزيد من التضخم، وكذلك الضغط على بقية الأنشطة المساندة لأي نشاط تجاري أو حرفي أو صناعي، ما يدفع بالمواطن إلى أن يعمل ألف حساب لأي خطوة قد يقدم عليها، لما فيها من مخاطر، لأن المواطنين طوروا قسائمهم، وأنفقوا عليها الكثير، فيأتي من يقطع أنفاسهم.
من المعروف أن مصالح الناس مترابطة، وبالتالي أي خلل يصبح كأحجار الـ"دمينو" التي تتساقط تباعاً، وهذا لا شك يؤثر على الائتمان والقروض وحركة السيولة المالية، ما يؤدي إلى الانكماش الاقتصادي، في وقت تعمل فيه الحكومة على خطوات عدة لرفع الناتج الوطني المحلي.
لهذا، تأتي تلك الخطوة عكس ما هو مطلوب، وهو ما يثير انزعاج المواطنين، وتبرّمهم، لتأثير ذلك عليهم سلباً، ووقف تعاملاتهم الرسمية وغير الرسيمة، ومنها المصرفية التي يعول عليها الجميع، بدءاً من البنوك مرورا بالبيع والشراء، وصولاً حتى إلى البقالات.
القسائم الصناعية والحرفية والتجارية والخدماتية هي عصب الحركة الاقتصادية، وتوليها الحكومات في العالم العناية التامة، وتفسح لأصحابها المزيد من تنويع الأنشطة، لأنها في النهاية تصب في تنويع مصادر الدخل الوطني، والكويت حالياً بحاجة إلى ذلك، أكثر من أي وقت مضى، لذا لا يمكن محاسبة الجميع إذا أخطأ فرد لا يعني أن الكل على خطأ.
لهذا، إذا كان هناك من خالف، أو تأخر في تسديد الإيجار السنوي، أو غير ذلك، يجب أن يحاسب هو، وليس قطع الهواء عن الجميع، فالقاعدة الطبيعية ألا تزر وازرة وزر أخرى، لأن العقاب فردي، وليس جماعياً، ما يعني حصر الأمر بالمخالفين فقط، وليس وقف مئات التراخيص، أو وقف أعمال مئات المصالح، ويجب أن تكون الهيئة مشجعة لا حاسدة، فهذه القسائم، سواء الحرفية أو الصناعية قيمتها في الإنشاءات، وليست بالأرض الجرداء.
أيضاً من باب الإنصاف، إن هذه القسائم أقيمت عليها إنشاءات منذ سنوات، وتمارس فيها أنشطة عدة، وأصبحت قيمتها السوقية ذات منفعة عامة، فحين توقف تراخيصها يعني ذلك الإعدام لها، خصوصاً المشاريع الكبرى حتى الصغرى، سواء أنشطة صناعية أو استثمارية وغيرها، كما أن بعض هذه القسائم تكلفت الملايين، فماذا سيكون مصيرها عندما يوقف نشاطها؟
هذا السؤال يقودنا إلى سؤال آخر، وهو: ما الجهة التي عليها تقرير مصائر تلك الأعمال، هل البلدية، أم "الصناعة"، أم مجلس الوزراء أم وزارة التجارة؟
هذا السؤال موجه إلى سمو رئيس مجلس الوزراء، لأن الأمر أصبح غير مريح لأصحاب الأعمال، وهو يمس بآلاف مصالح المواطنين.
ويبقى السؤال: وين رايحين، وهل نريد رفع الناتج الوطني، أم أن هناك من يسعى إلى تحجيم الحركة الاقتصادية في البلاد، من غير قصد، كذلك ألا يدفع هذا إلى إفلاس مصالح كثيرة لأناس اجتهدوا ولم يصيبوا؟
من المعروف أن الدول تأخذ بيد المتعثرين، تطلب من البنوك الاستمرار في التمويل، وليس إذا تأخر أحدهم في دفع الإيجار نتيجة شح مالي، أو لأي سبب آخر يهدد، بسحب القسيمة منه، ويتعطل المشروع.
سمو رئيس مجلس الوزراء، دعونا نتمتع بعودة هيبة الحكم، والعهد الجديد دام عزه.