علينا التعامل بواقعية مع الاعتداء الإسرائيلي على الشقيقة قطر كتطور سياسي وعسكري حتمي، ودرس ضمن سياق منهج "إرهاب دولة" الذي تبنته تل أبيب من دون مراعاة الوساطة القطرية في المفاوضات، وجهودها على المستويين الدولي، والإقليمي لتحقيق السلام.
بعد قطر، الآتي أعظم من إسرائيل، فالقانون الدولي، ليس له صدى في تل أبيب، ولا احترام بعد الاعتداء السافر على الدوحة، وجريمة الغدر ضد سيادتها، وأمنها، وشعبها من سلطات الاحتلال التي استمرأت كسر القوانين، وتبجيل الغطرسة.
التنديد، وبيانات الشجب، والاستنكار باتت لغة مزايدات مستهلكة، عربياً وإسلامياً، ولابد من لغة تتماشى مع حجم الحدث الغادر ضد قطر، وتحرك خليجي غير مسبوق، سياسياً واقتصادياً، ضد سلطات الاحتلال الإسرائيلية، والدول المؤيدة لها، والمتهاونة مع الاعتداءات على سيادة الدوحة.
إن الآتي أعظم على دول "مجلس التعاون" الخليجي، وينبغي عدم تفويت فرصة المراجعات السياسية، والاقتصادية، والتحليلات الواقعية، والعملية على مستوى دول المجلس، فالكيان الخليجي تأسس في ظروف مختلفة تماماً عن هذه المرحلة الحالية، وتحدياتها.
لقد صاحبت مسيرة "مجلس التعاون" الخليجي العثرات، والخلافات، والانشقاقات، وجرى معالجة بعض مصادرها من دون التعمق في التحليل، والمراجعة الدقيقة، لميثاق المجلس، بما ينسجم مع تحديات المرحلة، ومتطلبات مستقبل آمن للدول الأعضاء وشعوبها، وسلامة أراضيها.
دول "التعاون" الخليجي باتت مهددة من إسرائيل، ولا ينبغي التهاون مع التهديدات، ولا تجاوزها في بيانات تتضمن مبالغات لغوية، واجتماعات بروتوكولية، إنما الظرف العدائي يستوجب قرارات استثنائية على المستويين السياسي والاقتصادي، لتأكيد وحدة الموقف الخليجي.
ودول "مجلس التعاون" الخليجي لديها الإمكانيات، والقدرات، والقنوات، لتلقين تل أبيب وحلفائها دروسا واقعية، ومباشرة عبر إجراءات سياسية واقتصادية صارمة، قبل فوات الأوان، وقبل تكرار الاعتداء الإسرائيلي على دولة خليجية أخرى.
أصبحت الدول الخليجية ليست بمنأى من خطط عدائية إسرائيلية، خصوصا في ظل غطاء، دولي، وأميركي بخاصة، وقد تتطور التهديدات لتشمل دول ومصالح خليجية، وقد تستغل إيران الخمينية الظروف الحالية لتحقيق غاياتها الخبيثة.
وقد تكون الكويت مرشحة لعدوان إسرائيلي في ظل انفرادها في قانون 1967 الذي جعل "الكويت في حالة حرب مع إسرائيل"، وهو ما يستدعي الاستنفار، السياسي والعسكري، للتصدي المبكر لكل الاحتمالات، وتكثيف التنسيق، والمراجعة لميثاق "مجلس التعاون" الخليجي.
ولا ينبغي التهاون مع طموحات واشنطن في تحقيق التطبيع، والضغط بالطرق كافة على الكويت وغيرها، لصالح إسرائيل وحماية غاياتها، ومخططاتها، لذا تتضاعف المسؤولية الخليجية المشتركة في الإعداد المبكر، لتحرك خليجي رادع، وموقف موحد.
المراجعات الدقيقة، والنظرات الثاقبة لميثاق "مجلس التعاون" الخليجي من شأنها أن تساعد على التغيير في منهج العمل، والتخطيط، والتنسيق، وتقديم المصالح الخليجية على أي مصالح أخرى، وعدم الانسياق وراء سراب المزايدات اللغوية.
ويجب قطع الطريق على مصادر فوضى الحروب، والمعارك الإعلامية الغوغائية، فهناك جهات وإفراد من الأصوات المتسلقة، والمرتزقة العربية، التي تقتات على إثارة الفتن، والعبث في مصالح دول "مجلس التعاون" الخليجي.
فأي كيان سياسي معرض للهزات، والعثرات، والتباين في الرؤى، لكن تظل الحكمة، في المكاشفة، والبرغماتية، لأنها مبادئ العقلاء، خصوصا حين تكون هناك مصالح مشتركة في التضامن، والتفاهم من أجل مستقبل واعد يجمع ولا يفرق دول "مجلس التعاون" الخليجي.
KAltarrah@