انتهت قمة الدوحة العربية- الإسلامية، فيما كان خطاب أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد جلياً في توضيح الموقف، وكشف مجريات الاعتداء الاسرائيلي على بلاده، كما أنه وضع النقاط على الحروف فيما يمكن فعله حيال تخرصات وحجج تل أبيب.
أيضاً كانت هناك مواقف عدة تميزت ببحث آليات الرد وحفظ الأمن الجماعي العربي، لكن لم توضع أي آلية لتفعيل هذه الآليات، بل كان واضحاً أن خيار القادة التمسك بالسلام، كأفضل حل للعرب والمسلمين، هو الأساس.
لكن الصراحة مطلوبة في هذا الشأن، إذ كيف يمكن ترجمة الشعار إلى فعل، وماذا بعد؟
منذ ثمانية عقود لم يغير العرب ستراتيجيتهم في مقاربة القضية الفلسطينية، بل كانوا يردون على الهزائم بالمزيد من الشعارات، التي أبعدت العالم عنهم، لا سيما في تمسكهم بالحرب وتحرير الأرض من النهر إلى البحر، بينما لم يفهموا أن نتائج الحرب العالمية الثانية رسّخت حقيقة لا يمكن الهروب منها، وهي أن وجود اسرائيل ضرورة أوروبية وغربية، وتلك الدول وشعوبها لن تقبل إعادة السيرة الأولى بقبول العودة اليهودية إليها.
في المقابل، إن العرب، وكما أسلفنا في مرات سابقة، ليست لديهم القوة التي يستندون إليها، كي يفرضوا شروطهم، بينما هم لم يعملوا بما فعله الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) حين عقد صلحاً مع اليهود والمشركين لعشر سنوات، رغم علمه (عليه الصلاة والسلام) بتحريض وتآمر يهود خيبر على المسلمين، وتكوين الأحزاب ضدهم، لكن الحكمة النبوية كانت ترى ما لا يراه بقية الصحابة، هذا الصلح نقضه اليهود، فارتد الأمر عليهم، وقبلوا بأن يخرجوا من المدينة المنورة بلا حرب، ولا يعودوا إليها.
هذا الدرس الستراتيجي المهم في عقد الصلح له مفاعيله التي كانت لمصلحة المسلمين في ذلك الوقت، فقد ساعد على تعزيز قوتهم، فيما العرب لم يدركوا حقيقة قول ليفي اشكول في أوج النشوة بعد حرب عام 1967: "علينا أن نبقي العرب تحت النار، وكل عشر سنوات علينا احتلال أرض، كي ينسوا الأرض التي أخذت منهم سابقاً، ويطالبون بما خسروها حديثاً، فهذا أفضل خيار لاستمرار تفوق اسرائيل، وفرض شروطها على العرب، طالما أنهم يردون علينا بالشعارات".
في المقابل، كان العرب يزيدون من شعاراتهم الحماسية، فيما لم يبنوا قوة ذاتية، ولهذا انتهى الوضع إلى ما نشاهده اليوم من اعتداءات اسرائيلية على بعض الدول، والإبادة الممنهجة التي تمارسها في قطاع غزة، غير آبهة بالمواثيق الدولية، وضاربة عرض الحائط بالقرارات الأممية، لأنها أولاً مدعومة من القوى الكبرى، وأوروبا، وثانياً لأنها تستخدم الشعارات العربية لتأجيج عداء الحكومات الأوروبية والغربية على العرب.
لهذا نسأل: ماذا ينفع العرب إذا استمروا في رفع الشعارات من دون الذهاب إلى الصلح، حتى لو موقتاً كي يبنوا قوتهم الذاتية، ويغيروا نظرة العالم إليهم على أنهم يريدون إبادة الجنس اليهودي، فيما العالم لم ينسَ بعد أفعال هتلر خلال الحرب العالمية الثانية؟
العرب خاضوا أربع حروب مع اسرائيل وهزموا فيها كلها، حتى آخرها في العام 1973، لولا رؤية الراحل أنور السادات العظيمة، والذي قال إن 99 في المئة من أوراق اللعبة بيد واشنطن، وليس للعرب قابلية لهزيمة اسرائيل لأن الولايات المتحدة لن تتخلى عنها، لهذا ذهب إلى الصلح معها.
لهذا، وجب السؤال، ونكرره مرة ثانية: ماذا بعد التنديد والإدانة والشجب، وما الأوراق الرابحة بيد العرب، أوليس الصلح أفضل لهم في هذه المرحلة؟
أوليس طلب السلام بعيداً عن عبث "حماس" ودعاتها، وعبث المتبجحين والمتاجرين بالقضية الفلسطينية ممن تعودوا حروب الفنادق لا الخنادق، وهو الأفضل؟