الخميس 18 سبتمبر 2025
40°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
أمننا الغذائي... والمخزون الستراتيجي ( 1من 2)
play icon
كل الآراء

أمننا الغذائي... والمخزون الستراتيجي ( 1من 2)

Time
الأربعاء 17 سبتمبر 2025
د.بدر عثمان مال الله

بين فينةٍ وأخرى، وخصوصاً مع تطورات إقليمية أو دولية، أو مع أزمة ما مثل "كوفيد19"، نسمع تصريحات من الجهة المختصة

"أن أمننا الغذائي بخير، وأن المخزون الغذائي الستراتيجي ( أي الإحتياطي) وافر، وتتراوح كفايته من ستة اشهر إلى سنة"، ومن غير المعلوم، أو الدقة، كيف يتراوح المخزون ضعف المدة الزمنية، وإذا تجاوزنا ذلك، تبرز مسألة في غاية الأهمية، وهي هل يتكافأ "المخزون الغذائي الستراتيجي" مع "الأمن الغذائي"، فالترادف في استخدام المفهومين فيه تبسيط للمشكلة، ولا يُعوَّل عليه كثيراً، ولعلي هنا أن ألفت الإنتباه لذلك بما فيه المنفعة العامة. يحدد المرسوم بقانون رقم 24 لسنة 2019 بتنظيم وإدارة المخزون الإستراتيجي للسلع الغذائية والإستهلاكية، مفهوم وتنظيم وإدارة المخزون الغذائي الستراتيجي، والجهة المناط بها الإشراف عليه، ويهدف إلى ضمان توافر السلع الغذائية والأساسية في أوقات الأزمات، وهذا الأمر لا تنفرد به دولة دون أخرى.

لكن من المفيد أن نبدأ بملاحظة أن المخزون الغذائي الستراتيجي لا ينصرف بشكل تلقائي إلى أن يكون "أمنا غذائيا" إذ إن حصره بهذا المعنى له مخاطر عديدة على الأمن الغذائي فهماً و تطبيقاً.

إن المخزون الستراتيجي ينصرف لتوفير الأساسيات الإعاشية الضرورية وقت الأزمات (الغذاء و الدواء) و لمدة محددة، ويكون تأمينه في الاقتصادات الريعية، شحيحة ومتدنية الإنتاج، من خلال الواردات التي يمكن تخزينها لتغطية الفترة الزمنية المحددة.

بينما يتسم الأمن الغذائي بسمات وأغراض أخرى مختلفة عن ذلك، فهو نظام من القدرات الإنتاجية في قطاعي الزراعة والصناعة، يتم بموجبه تأمين الحاجات الغذائية على نحو مستدام، سواء في أوقات الأزمات أو في الأحوال العادية.

وفي هذا الإطار، فإن اعتماد المخزون الستراتيجي على الواردات، رغم أهميته، لا يجعل له قيمة اقتصادية كبيرة، إلا إذا جاء كجزء من ستراتيجية متكاملة للأمن الغذائي. إن احتساب الفترة الزمنية التي يغطيها المخزون الستراتيجي، المبني على الواردات، تؤثر في كفايتها الزمنية عوامل عدة منها عدم دقة احتساب الاستهلاك، والهلع الجمعي الذي يؤدي إلى زيادة الطلب على المخزون السلعي بهدف التخزين الخاص، وارتفاع التضخم باعتبار أن الغذاء يشكل نسبة كبيرة من سلة التضخم، وبذلك لا يؤدي المخزون الستراتيجي كل الأغراض المستهدفة منه.

إن نظرة فاحصة على وارداتنا، تبين أبعاد إشكالية الأمن الغذائي، وقد شهد إجمالي الواردات نموا مطردا منذ عام 2013 حتى تجاوز 10.4 مليار دينار عام 2023. ويتوزع هيكل الواردات على نحو 47 في المائة للسلع الإستهلاكية، ونحو 38 في المائة للسلع الوسيطة، وقرابة 15 في المائة للسلع الإنتاجية، غير أن هذا التوزيع لا يتسم بالدقة في التصنيف السلعي والاستخدام إذ ان جزءاً مهماً من السلع الوسيطة والانتاجية تستخدم كسلع استهلاكية. وفيما يتعلق بالاحتياجات الغذائية، فإن الواردات الغذائية تشكل نحو 95 في المائة من هذه احتياجاتها.

من جانب آخر، يعكس الاعتماد الكلي على المخزون الغذائي الستراتيجي المبني على الواردات جانباً من جوانب الهشاشة في الاقتصاد التي تعرضه تلقائيا للتأثر بتقلبات سلاسل التوريد التي يعتمد عليها، وكذلك التغيرات التضخمية في الاقتصاد العالمي والتي عادة ما تحدث في اسعار السلع الأساسية خصوصا في أوقات الأزمات، ومن أمثلة ذلك أزمة "كوفيد19"، وأزمة أوكرانيا.

يضاف إلى ذلك، أن جُل المكونات الأساسية للمخزون الستراتيجي من المحاصيل الغذائية الزراعية مكلفة في التخزين، ومحدودة الصلاحية، مما يتعين معه بناء ستراتيجية وطنية للتخزين تأخذ ذلك بالاعتبار.

سيواصل الجزء الثاني من هذه المقالة تبيان أولوية الأمن الغذائي بالمفاضلة مع المخزون الستراتيجي.

المدير العام السابق للمعهد العربي للتخطيط

آخر الأخبار