في لحظة خانقة من صمت العالم، وفي زمن أصبح فيه المعتدي يحاول اختراق سيادة الدول بطائرات وصواريخ، وجدت نفسي أكتب، لا ككاتب محترف، بل كرجل عربي يحمل في قلبه وجع أمة، ويؤمن أن الكلمة أحيانا أقوى من الطلقة، وأبقى من الرماد.
في التاسع من سبتمبر، استفقت على خبر لم يطرق مسامعي فقط، بل طرق أعماقي، حيث غارة إسرائيلية تستهدف الدوحة، عاصمة قطر، مدينة الأمن والأمل والحياد النبيل.
غارة طالت الأرض والسيادة والأرواح، وارتقت فيها أرواح ستة، بينهم ابن قائد، ومساعد، وضابط قطري شهيد في واجب الشرف.
تساءلت: ألهذا الحد بلغ الصلف الإسرائيلي، لا احترام للمواثيق والأعراف الدولية ولا حرمة لوساطتها، ولا تقدير لديبلوماسيتها، أم أن "رسائل النار" أصبحت لغة الاحتلال حين تعجز الديبلوماسية عن تطويع الأحرار؟
يا قطر، يا أرض الكرامة والسيادة والمواقف الأصيلة، لم تكوني وحدك. فما حدث في الدوحة لم يكن شأنا داخليا، بل ضربة في قلب كل عربي حر، وجرس إنذار بأن التهاون مع الظلم سيؤتي على الجميع.
أقف اليوم، كرجل عربي، لا يمثل حزبا ولا سلطة، بل يمثل ذلك الإحساس العميق بالانتماء، وأقولها بملء القلب: أنا مع قطر. مع شعبها الطيب، مع أميرها الصادق، مع أرضها التي لطالما احتضنت القضية الفلسطينية، ومدت يدها للحوار حين انسحبت الدول، ووسعت صدرها للسلام حين ضاقت به الساحات.
العدوان على الدوحة ليس فقط جريمة سياسية، بل سقطة أخلاقية. خرق فاضح لكل قواعد القانون الدولي، استهتار صريح بالقوانين الدولية، واعتداء على الوساطة العربية التي حاولت، رغم الصعوبات، أن تبقي شعلة الحوار مشتعلة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، لحقن دماء الأبرياء.
إن من ضرب الدوحة، لم يكن يريد اغتيال أفراد فقط، بل وأد احتمالات السلام، وقصف فكرة العدل من الجو، ورسالة مفادها: لا مكان للحياد، لا احترام للوساطة، ولا أحد خارج مرمى السلاح.
لكنهم أخطأوا في العنوان.
فقطر، الدولة الكبيرة في موقفها، لا تُبتلع، ولا تُرهب، ولا تُهزم. لم تكن الدوحة أبدا عاصمة خنوع، بل كانت ولا زالت صوتاً عربياً نقيا، يصر على كرامة الإنسان الفلسطيني، ويؤمن أن العدالة لا تقصف، وأن السلام لا يصنع بالدم.
أما نحن، العرب، فآن لنا أن نصحو، ما جرى في قطر جرس إنذار. آن الأوان أن نقف صفاً واحداً، ليس حبا في الرد، بل حفاظا على البقاء.
لا بد أن نرتقي فوق الخلافات، أن نعود إلى لغة الأخوة لا المصالح، إلى وحدة المصير لا تشرذم المواقف. فاليوم قطر، وغدا قد تكون أي عاصمة أخرى.
إنني أدعو كل رجل عربي، وكل أب، وكل شاب يحمل في قلبه الأمل، أن يقول كلمته، أن يكتب، أن يغضب، أن يقف مع قطر، ومع كل دولة عربية تتعرض للانتهاك، لأن السكوت اليوم مشاركة في الجريمة.
وفي الختام، أقول: يا قطر… يا شقيقة العز، يا من وقفت مع المظلوم، وداويت الجراح، لا تحزني.
فنحن معك، ومع أميرك، ومع شهيدك، ومع أرضك التي لا تداس.
سنكتب، وسنصرخ، وسندين، لا لأننا نحترف الغضب، بل لأن الحق لا يموت ما دام في الأمة قلب نابض، وامرأة لا تخاف أن تقول "كفى".
كفى غطرسة، كفى عدوانا، وليكن هذا الاعتداء بداية الوعي، لا بداية صمت جديد.
محب من الكويت