سأدخل بالموضوع مباشرة، وأتوجه إلى الرئيس السوري أحمد الشرع، فأقول: إن سورية، ومنذ العام 1974 مرت بالكثير من الأحداث التي عزلتها عن العالم، لاسيما العقوبات، رغم هذا لم تكن القيادة، آنذاك، قادرة على إدراك مآلات الأحداث، أو هي غرقت في الأحلام، واستندت إلى شعارات مستحيلة التحقق، لأنها ليست مبنية على قاعدة صلبة.
لذا اليوم، حين تعلن يا سيد أحمد الشرع "أن التوصل إلى اتفاق أمني مع إسرائيل لا مفرّ منه"، فأنت تعلم أن كل أوراق اللعبة، كما كان المرحوم أنور السادات يقول "بيد الولايات المتحدة الأميركية".
وبالتالي لا يمكن أن تقوم قائمة لسورية حالياً إلا بالاتفاق مع إسرائيل، طالما أن العرب، جميعاً، لا يمتلكون القوة والدعم السياسي وحتى العسكري، لفرض شروطهم، بينما 95 في المئة من تسليحهم غربياً وأميركياً، بل الأنظمة التقنية المعطاة لإسرائيل أحدث بكثير من التي لدى العرب.
سيد أحمد الشرع، لو كان السادات أخذ برأي حافظ الأسد، وبعض الزعماء العرب، حين سار في طريق الصلح مع إسرائيل برعاية أميركية، لكانت اليوم مصر تحت التهديد، ولكانت قناة السويس، وسيناء، وغيرها تحت السيادة الإسرائيلية، كما هو حاصل في الجولان السوري، الذي ضمته تل أبيب في العام 1981، ولم يفعل النظام السابق أي شيء، غير الاستنكار، و"الاحتفاظ بحق الرد"، واليوم بعد 51 سنة، سقط النظام، ومضى إلى التاريخ ولم يكن هناك أي رد.
وعلينا أن نكون واقعيين، إن كل المعارك العربية كانت تعطي الإسرائيلي أكثر مما يريد، وآخرها مغامرة "حماس" في غزة التي أعطت للمأفون نتنياهو كل ما رغب فيه، بل أكثر فيما لم يكن الرد الـ"حمساوي" إلا بعض الشعارات والبيانات، واليوم هناك 1.9 مليون غزاوي يهيمون في بقعة أرض محددة، ويعيشون أصعب اللحظات، من جوع وعطش، وموت، فأين الانتصار؟
شعار "أمجاد ياعرب أمجاد"، حقيقته واضحة، فهو مجرد حديث عن تاريخ مضى، لكن منذ العام 1917، ووضع خريطة تقسيم العالم العربي بين بريطانيا وفرنسا، ومن ثم الولايات المتحدة، بعد أفول القوة البريطانية، فإن الأمجاد العربية كانت مجرد التباهي بالأغاني، والمأكولات، وغيرها، بينما لم يخترعوا أي شيء.
لهذا يا فخامة الرئيس، إن سورية اليوم بحاجة إلى الكثير، كي تعود إليها الحياة، وتنفض ركام ما خلفته الشعارات، فالشعب السوري حي، قادر على صنع المعجزات، إذا تيسرت له السبل، وآن الأوان لخروجه من قمقم العقوبات، كي يعمل على نهضة سورية المنتظرة منذ زمن.
لذا لا تصغ إلى الذين يحلمون، فهؤلاء ليس لديهم أي شيء يقدمونه لشعوبهم قبل العرب، وعليك أن تستمر في طريقك التي فيها فائدة لسورية، المحتاجة إلى السياسة الواقعية في مقاربة الأمور، والتعاطي مع الأحداث وفق المصلحة العليا لبلادك.
فالدول تعمل بمبدأ "الغاية تبرر الوسيلة" التي تقوم على مصلحة الشعب أولاً، وبعدها استقرار قوة الدولة، اقتصادياً واجتماعياً، قبل مصالح الأشخاص، ولهذا فإن دمشق اليوم تمر بمخاض كبير، لا يمكن الفشل فيه لأنه سيكون مقتلاً للدولة الجديدة، لذا من المهم جداً أن تستمر في الطريق الصعب، فكل خطوة فيه تجعله غير صعب، وكل هذا يبدأ من مصالحة العالم، حتى لو كنت لا تثق بإسرائيل، لكن التزامك، ومساعدة الدول الكبرى، ستكون في مصلحة سورية.