عندما يغيب القرار، ويركن المسؤول، وحتى الموظف، إلى التكاسل تعمّ الفوضى، ويصبح الهدر العنوان الأبرز في كل المؤسسات، والقطاعات، فيغيب الإبداع.
أما حين تكون هناك متابعة، ومسؤولية، وقدرة على المحاسبة، وأيضاً معرفة متى وكيف يتخذ القرار، فإن ذلك يؤدي إلى حسن الأداء، وتصان مصالح الدولة.
هذه المقدمة كانت ضرورية لإدراك كيف كان الإهمال يؤدي إلى الهدر في الكهرباء، بل في كل المجالات، وعدم وجود محاسبة أدى إلى إساءة استخدام المرافق العامة، في دولة لها طبيعة بيئية خاصة، وطقس صعب، وعلى الدولة توفير ما يساعد الناس للتغلب على الحرارة العالية، عبر استمرار التيار الكهربائي، طوال ساعات اليوم، وأشهر السنة.
هنا، لا بد من الإشارة إلى أننا منذ نحو 40 عاماً، نعاني من انقطاع الكهرباء خلال أشهر الصيف اللاهبة، مع ما يصاحب ذلك من خسائر مالية، وهدر للوقت، ومعاناة صحية للمرضى، ومما زاد الأزمة تعقيداً ظاهرة تعدين العملات الرقمية المشفرة التي تستهلك كميات ضخمة من الكهرباء.
لهذا، حين تسمع من وزير الكهرباء والماء والطاقة المتجددة، ووزير المالية بالوكالة، الدكتور صبيح عبدالعزيز المخيزيم، شرحه لأسباب المشكلة تدرك أن هناك رجلا يريد حلا جذريا للمشكلة، ومنع الهدر، إلا أن اليد الواحدة لا تصفق، لذا المطلوب التعاون مع الجميع، كي لا تتجدد الأزمة كل عام.
صحيح أن الطقس بدأ يتغير، حالياً، لكن ذلك لا يعني انتهاء المشكلة، إذ رغم إعلان الوزارة خطتها للصيف المقبل، فإن الأمر يحتاج إلى مواكبة جادة من الجميع، فقد يحدث أي طارئ يعرقل المسار.
فحين يجري إيقاف مصانع تعدين عملات مشفرة، في منطقة الوفرة وحدها، فهذا يخفف الأحمال، لكن هل انتهت الأزمة؟ لا شك لم تنته؟
إذ كما تقول أوساط الوزير إن ذلك خطوة في طريق الألف ميل، عنوانها وقف الانفلات الكهربائي، جراء غياب الوعي بمعنى الترشيد، فحين تترك الأجهزة غير المستخدمة متصلة بالتيار، أو مكيفات الهواء تعمل خلال الإجازة خارج البلاد، وغيرها من الممارسات غير الصحيحة، في هدر الماء والكهرباء، فإن ذلك يزيد من التكلفة على الدولة المضطرة لأن تتوسع في الإنشاءات الكهربائية.
في دول مجاورة، أكبر مساحة من الكويت، وأعلى كثافة سكانية منها، كالسعودية مثلاً، ليست هناك أزمة كما هي الحال عندنا، لأنها من الأساس عملت على خطوط متوازية، منها فرضت الترشيد، ومنع الانفلات في هذا المجال، والمتابعة المستمرة.
في الكويت عندما تلقي السؤال على وزير الكهرباء، ووزير المالية بالوكالة، تجد لديه الرد الشافي، إذ يقولها بكل صراحة إن غياب القرار لسنوات طويلة، كان السبب في كل ذلك، ولأنه خبير يعرف كل متطلبات المرحلة، وما تحتاج إليه البلاد في هذا الشأن، ولأننا جميعاً نجدف في القارب نفسه، علينا التعاون لتحقيق النجاح، ليس في الكهرباء فقط، بل في كل ما تتطلبه البلاد.
لذا، الفرصة متاحة اليوم أمام الجميع للبدء بالعمل على تلافي الأزمة المتوقعة صيفاً، من خلال الوعي بمعنى الترشيد أولاً، وثانياً الصيانة المستمرة، وثالثاً ألا يكون التوفير مجرد شعار، بل عملية مستمرة طوال الوقت، حتى لا تكون البلاد عرضة للمزيد من الأزمات، لأنه حين تستمع إلى تفسيرات هذا الرجل الذي استطاع أن يخرج من أزمة خلال فصل الصيف بنجاح، تدرك أن هذا الوزير لديه رؤية وبصيرة كيف يدير أهم قطاع في الدولة.
معالي الوزير، وزارة المالية، التي أنت وزيرها بالوكالة، بحاجة إلى قرار، وألف قرار.