الخميس 23 أكتوبر 2025
27°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
قرارات عصبية متكبّرة مزقت بلاد فارس
play icon
كل الآراء

قرارات عصبية متكبّرة مزقت بلاد فارس

Time
الأربعاء 01 أكتوبر 2025
محمد الفوزان
قصص إسلامية

الكبر والرعونة والعصبية تؤدي إلى طامات كبيرة، وكوارث على البلاد والعباد يستحيل إصلاحها.

عندما مزق كسرى خطاب النبي (صلى الله عليه وسلم)، دعا النبي عليه بقوله: "اللهم مزق ملكه"، فماذا كانت الكارثة؟

مزّق الله ملكه، فهل تعلم كيف مُزّقت مملكته؟

نحو سنة 628 ميلادية بعث رسول الله شجاع بن وهب إلى كسرى خسرو الثاني، فأمر بإيوانه أن يزين، ثم أذن لعظماء فارس، ثم أذن لشجاع بن وهب، فلما أن دخل عليه، أمر كسرى بكتاب رسول الله، أن يقبض منه.

فقال ابن وهب: لا حتى أدفعه أنا إليك كما أمرنى رسول الله (صلى الله عليه وسلم).

فقال كسرى: إدنه، فدنا فناوله الكتاب، ثم دعا كاتبا له من أهل الحيرة، فقرأه فإذا فيه: من محمد بن عبد الله ورسوله إلى كسرى عظيم فارس.

قال: فأغضبه حين بدأ رسول الله بنفسه، وصاح، وغضب، ومزق الكتاب قبل أن يعلم ما فيه، وأمر بشجاع بن وهب فأخرج.

فلما رأى ذلك سار، ثم قال: والله ما أبالى على أي الطريقين أكون، إذ أديت كتاب رسول الله.

ولما ذهب عن كسرى سورة غضبه، بعث إلى شجاع ليدخل عليه، فالتمس فلم يوجد، فطلب إلى الحيرة فسبق. فلما قدم شجاع على النبي (صلى الله عليه وسلم) أخبره بما كان من أمر كسرى، وتمزيقه كتابه، فقال رسول الله: "مزق كسرى ملكه".

في تلك الفترة كان هرقل، امبراطور الروم، يشن الحملة المضادة ضد الفرس، ويُمنيهم بهزائم ساحقة مذلة، الواحدة تلو الأخرى في مصر والأناضول وسورية والعراق.

ولم يكتف باستعادة الأراضي التي احتلها الفرس قبل سنوات قلائل، بل استولى على مدن فارسية خالصة، متوجها نحو عقر دارهم المدائن،وقد بيّن الله تعالى هذا الأمر بقوله تعالى: "وهم من بعد غلبهم سيغلبون، في بضع سنين".

مع تقدم الجيوش الرومية، وتقهقهر الفرس، هرب كسرى إلى مدينة دستغرد بالقرب من بغداد، واختبأ هناك دون أن يعطي أي دلائل على أنه سيواصل الحرب.

وعلى أثر هزائمه المتواصلة، حرر وزراء الفرس ابن كسرى قباذ الثاني، الذي سجنه والده إثر خلاف بينهما، ونصبوه ملكا.

ويستمر مسلسل التمزيق، إذ القى قباذ القبض على أبيه، وحبسه في قبو تحت الأرض، أربعة أيام حتى جاء اليوم الخامس، جرى إعدامه بإطلاق السهام عليه ببطء من بداية اليوم حتى نهايته.

مات كسرى أبشع ميتة خلال أشهر من تمزيق رسالة النبي (صلى الله عليه وسلم).

وبعد أيام من تولي قباذ، عقد صلحا مذلا مع هرقل، ليتجنب سقوط المدائن، وتعهد بإخلاء جميع الأراضي الرومية، وغير الرومية، بل وأرجع إليهم الغنائم والتحف التي استولوا عليها.

ثم قتل جميع إخوانه الذكور الثمانية عشر، حتى يوطد أركان ملكه، وخلال أشهر من توليه العرش مات قباذ.

بعد موته المفاجئ، لم يكن هناك إلا ابنه ذو السبع سنوات أردشير الثالث، فنصبوه ملكا.

ثم بعد سنة ونصف السنة فقط تم قتل هذا الطفل (حفيد كسرى) على يد الجنرال شهربراز الذي كان حانقا على كسرى وقباذ، لأنه كان يعزو لنفسه الفضل في الإنتصارات القديمة، التي لم يحافظ عليها كسرى بسياسته الغبية، مما استتبع الهزيمة المذلة في هجمة الروم المضادة، وضياع كل ما حققه من انتصارات.

وعندما عقد قباذ الصلح وأرجع كل شيء للروم، انخرط الجنرال الحانق في مؤامرات ودسائس، انتهت بانقلابه، واستيلائه على المملكة، وبقتل الحفيد ونصب نفسه ملكا، وبعد سنة واحدة فقط، نُحر هذا الجنرال في الإيوان، وتنصيب ابنة كسرى براندخت ملكة على فارس

فشلت الملكة فشلاً ذريعاً في إعادة الإستقرار إلى المدائن، وذُبحت بعد سنة واحدة فقط عام 631.

تولت ابنة كسرى الثانية أزمريدخت العرش بعد اختها، وللخروج من حالة الفوضى، اقترح عليها أحد الجنرالات، واسمه فروخ أن تتزوجه، لكنها رفضت وقتلته، فجاء ابن ذلك الجنرال رستم بن فروخ زاد، وحاصر المدائن بجيشه، وقبض على الملكة، وفقأ عينيها، ثم قتلها.

كل ذلك حصل خلال أشهر من توليها العرش، ثم جاء هرمزد الرابع، وهو ليس من سلالة كسرى، بل من إحدى العائلات النبيلة، واستغل الوضع ونصب نفسه ملكا في أحد الأرجاء، واستتبعه عدد من الطامحين في العائلات النبيلة في مناطقهم. وتم تنصيب حفيد آخر لكسرى هو يزدجر الثالث آخر ملوك فارس.

نصبوه سنة 632 ميلادية، وهو مراهق في السادسة عشرة، وقائدا جيشه هما رستم وفيروز، وهذان الاثنان كان بينهما خصام ومشاحنات، لكنهما اتحدا من أجل الملك الجديد على أمل الاستقرار والنهوض، وإذا بسيوف الجيوش الإسلامية تدق أبواب فارس.

ابتدأ الهجوم على الأراضي الفارسية بعد سنة واحدة من تنصيب المراهق، أي في 633، واستمرت ثلاث سنوات تم فيها تدمير جيش كسرى وتمزيق ملكه عام 636 ميلادية في معركة القادسية.

إمام وخطيب

[email protected]

آخر الأخبار