وجهة نظر
عندما انضمت الكويت إلى اتفاقية نيويورك لعام 1958 بشأن الاعتراف، وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية بموجب المرسوم الأميري رقم 10 لسنة 1978، بدا الأمر وكأنه انتصار للعدالة الدولية، وخطوة جادة نحو جعل الكويت مركزاً قانونياً وتجارياً واعدًا.
فمن خلال هذه الاتفاقية، التزمت الدولة الاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها، إلا في حالات استثنائية محددة، وهو ما منح المستثمرين ثقة أكبر في بيئة الأعمال الكويتية.
لكن، بعد مرور أكثر من أربعة عقود، يطرح الواقع تساؤلاً جوهرياً: هل تحقق الهدف المأمول، أم أننا أمام نجاح دولي على الورق يقابله تعثر في العدالة على أرض الواقع؟ ما الذي أضافته الاتفاقية للكويت؟
لا يمكن إنكار أن التحكيم أصبح وسيلة أساسية لحل النزاعات التجارية، ومميزاته واضحة:
- سرعة الإجراءات مقارنة بالمحاكم.
- سرية تحمي الأطراف وسمعتها.
- حرية اختيار المحكمين ذوي الخبرة.
- التزام دولي يعزز مكانة الكويت كمركز استثماري.
هذه الإيجابيات جعلت التحكيم الخيار المفضل للعديد من الأطراف، خصوصاً الأجانب الذين يبحثون عن ضمانات قانونية تحمي استثماراتهم.
اما العقبات التي لا يمكن تجاهلها، فهي رغم تلك الإيجابيات، واجه النظام التحكيمي في الكويت تحديات عملية لا تقل أهمية:
- ارتفاع التكاليف، مما يجعل التحكيم أحيانًا رفاهية لا خياراً.
- قلة الكفاءات المتخصصة، خصوصًا في النزاعات المعقدة.
- الارتباط بالقضاء المحلي في بعض الإجراءات، وهو ما يضعف عنصر السرعة.
- قيود النظام العام والشريعة الإسلامية، والتي قد تُستخدم كذريعة لرفض تنفيذ بعض الأحكام الأجنبية.
قراءة نقدية
من الواضح أن الكويت التزمت دولياً، لكنها في الوقت ذاته وضعت خطوطاً حمراء لحماية قيمها وتشريعاتها. وهنا تكمن الإشكالية:
من جهة، هناك نجاح دولي يتمثل في التوقيع على الاتفاقية والالتزام بها، ومن جهة أخرى، هناك فشل نسبي في العدالة العملية إذا اصطدمت الأحكام الأجنبية بالواقع المحلي.
خاتمة
من وجهة نظري كطالبة قانون، أرى أن نجاح التحكيم في الكويت مرهون بقدرتنا على تطوير التشريعات المحلية بما ينسجم مع المعايير الدولية، دون أن نفقد هويتنا القانونية المستمدة من الشريعة والقيم الوطنية.
العدالة الحقيقية لا تكمن في مجرد الانضمام لاتفاقية دولية، بل في تفعيلها بشكل متوازن يحقق مصالح الدولة، ويمنح الثقة للمستثمر في آن واحد.
فهل ستخطو الكويت نحو هذا التوازن المطلوب؟ هذا ما ستكشفه السنوات المقبلة.
فجر منصور
كلية الدراسات التجارية، تخصص قانون