دراسة قانونية تأصيلية وفقاً للفقه والقضاء
سحب الجنسية ممن حصل عليها عن طريق الغش إجراء طبيعي
المادة 13 من قانون الجنسية أجازت سحبها ممن حصل عليها بالتبعية
الحبس والغرامة لمن حصل على الجنسية بالغش أوالتدليس وشهادة الزور
تطبق العقوبات الجزائية لمن سهل للمتجنس الحصول على الجنسية بالغش
الغش والتدليس هما بمثابة الانتهاك الخفي للقانون ولا يمكن أن ينشئا حقوقاً
سحب الجنسية ممن حصل عليها بالتبعية دون علم أو مشاركة قد يوصف بشبهة عدم الدستورية
المستشار الدكتور كاظم بوعباس
وضعت المادة 13 من قانون الجنسية رقم 15 لسنة 1959 الاساس لسحب الجنسية ممن حصل عليها عن طريق الغش، وهذا اجراء طبيعي فالغش يُفسد كل شيء، فيما أجازت المادة نفسها سحب الجنسية ممن حصل عليها بالتبعية، اي رخصت للجهات المعنية بسحب الجنسية من الاولاد والزوجة الاجنبية التي حصلت عليها بسبب هذا الزواج ونورد في تفاصيل هذه الدراسة القانونية التأصيلية وفقا للفقه والقضاء الحالات والوقائع والأحكام والقرارات التي اتخذتها المحاكم في هذا الشأن:
المطلب الأول
أولاً: ورد النص على حالة الغش في ثلاث مواد في قانون الجنسية رقم 15 لسنة 1959 وتعديلاته. وهي المواد 13 و 21 أ و 21 ب المضافتين بالقانون رقم 30 لسنة 1970 فالمادة 13 وضعت الاساس لسحب الجنسية ممن حصل عليها عن طريق الغش، وهذا اجراء طبيعي فالغش يُفسد كل شيء.
وأجازت المادة نفسها سحب الجنسية ممن حصل عليها بالتبعية، اي رخصت للجهات المعنية بسحب الجنسية من الاولاد والزوجة الاجنبية التي حصلت عليها بسبب هذا الزواج، اما المادة 21 أ المضافة، فهي خاصة بسحب شهادة الجنسية ممن حصل عليها بالغش والاقوال الكاذبة وكذلك سحبها ممن حصل عليها بالتبعية.
وقررت المادة 21 مكرر ب عقوبة الحبس والغرامة لمن حصل على الجنسية بسبب الغش والتدليس وشهادة الزور، ولم تتطرق المادة لعقوبة الموظف الذي قام بمراجعة الاوراق، والذي قد يكون مشتركا هو الاخر ومساهما بهذه الجريمة، وتركتها للقواعد العامة في قانون الجزاء والقوانين الاخرى بصفته مخلا بواجبات وظيفته، وكذلك تطبق العقوبات المقررة في قانون الجزاء لمن سهل للمتجنس عن طريق الغش الحصول على الجنسية.
المطلب الثاني
1 - قررت المحكمة الادارية العليا بمجلس الدولة المصري"اذا شاب صدور القرار نتيجة غش او تدليس"، فيعتبر القرار منعدما وما يترتب عليه من اثار، والغش والتدليس من عيوب الارادة وهو عمل قصدي بطبيعته، ويتوافر باستعمال صاحب الشأن طرقا احتيالية بنية التضليل للوصول الى غرض غير مشروع.
معاقبة المدلس
وقد تكون هذه الطرق الاحتيالية طرقا مادية وقد تكون عملا سلبيا محضا في صورة كتمان صاحب الشأن عمدا بعض المعلومات الاساسية التي تجهلها الادارة، ومناط ترتيب الغش او التدليس ان يكون صادرا من المستفيد، ويكفي علم المستفيد به او انه كان من المفروض ان يعلم، ففكرة التدليس تقوم على معاقبة المدلس ذاته وحرمانه من نتائج عمله.
" ادارية عليا الطعن رقم 11704 لسنة 59 قضائية".
انتهاك للقانون
وتضيف في حكم آخر " وصدور القرار بناء على الغش والتدليس والذي يعد بمثابة الانتهاك الخفي للقانون، لا يمكن ان ينشئ حقوقا، وبالتالي فانه اذا حدث ان حصل احد الافراد على قرار اداري نتيجة الغش والتدليس من جانبه، فان هذا القرار غير جدير بالحماية ولا يتحصن بمضي المدة، واذا كانت حماية المستفيد من القرار حسن النية هي التي تبرر تحصين القرار، فان انتفاء حسن النية يفوت الحكمة من حماية القرار ".
ادارية عليا - الطعن 1093 لسنة 8 ق جلسة 12 / 6 / 1966 - مجموعة المكتب الفني.
2 - وقد اشار الفقيه الفرنسي ستيفاني رينارد الى ان الغش هو ان يتنكر المواطن في وضعه الواقعي او القانوني من اجل تحريض الادارة عن طريق الخطأ والحصول منها على قرار ايجابي لا يمكنه عادة المطالبة به. " انظر د خالد ضاحي - اثر عيوب الارادة على مشروعية القرارات الادارية - المجلة القانونية.
أنواع الغش
3 - تتعدد صور اعمال الغش والتدليس التي تتسبب في انعدام القرار الاداري، فتارة تأخذ جانبا ايجابيا كإعطاء بيانات كاذبة لجهة الادارة او تقديم مستندات مزورة، وقد تأخذ طابعا سلبيا بالتستر واخفاء بعض المعلومات، وقد تأخذ اتباع اجراءات قانونية تعتبر مشروعة في حد ذاتها الا ان اتباعها للحصول على ميزة قانونية او اعاقة تطبيق قاعدة قانونية". المرجع السابق"
المطلب الثالث
شروط الغش الذي يبطل القرار الإداري
1 - صدور عمل من اعمال الغش والتدليس، وقد قضت المحكمة الادارية العليا في مصر: بان نية ادخال الغش امر خفي لايدرك بالحس، وانما تكشف عنها الظروف والملابسات المحيطة بالدعوى، وتؤكدها الامارات والمظاهر الخارجية والافعال التي قام بها من اقترف واقعة ادخال الغش على جهة الادارة، حيث يظهر من خلال تلك الافعال ما يضمره في نفسه".
ادارية عليا الطعن 44087 لسنة 62 ق جلسة 26 / 6 / 2018.
2 - ان تكون اعمال الغش صادرة من المستفيد
وقد قضت المحكمة الادارية العليا في مصر في حكم حديث "بان قيام الوالد بتسهيل التحاق ابنه بالمدرسة بتقديم شهادة ميلاد مزورة، لا يتحمل عواقبه الابن متى كان سن الابن لا تؤهله انذاك للمسؤولية المدنية او الجنائية... ولم يصدر منه عمل مادي يفيد المشاركة في واقعة الغش او الادراك.. وبالتالي تنتفي مسؤوليته المقررة بشأن نظرية الغش او التدليس حتى ولو كان مستفيدا منها.
"الطعن 1769س 38 ق جلسة 4/1/1998
وقد طبق مجلس الدولة الفرنسي هذه القاعدة في حكمه الصادر في 12 / 4 /1935 في الدعوى رقم 520 وتخلص الواقعة في ان احد الاجانب تمكن من التحايل على السلطات الفرنسية والحصول على الجنسية الفرنسية بعد ان اخفى اوراق ومستندات تتعلق بشخصيته وماضيه، فصدر مرسوم بمنحه الجنسية بتاريخ 1926وفي وقت لاحق اكتشفت السلطات واقعة الغش فسحبت مرسوم المنح، فقضى مجلس الدولة برفض الطعن وشرعية قرار السحب.
وقد قصر القانون الفرنسي قرار السحب على المستفيد وحده، دون ان يمس الزوجة والاولاد القُصّر الا اذا احتفظوا بجنسيتهم الاصلية ( م 87 من قانون الجنسية الفرنسي )مراعاة للجانب الانساني.
"دكتورة سعدية بوجمعة - رسالة دكتوراة - جامعة عبدالحميد بن باديس - الجزائر 2019.
3 - ان يكون العمل الصادر من المستفيد قصديا، اي ان نيته اتجهت الى تضليل الادارة للوصول الى غرض غير مشروع، ومن المبادئ المستقرة" ان الغش لا يُفترض، بل لابد من وجود قرائن او دلائل قوية تؤكده، اما اذا كانت المخالفة تُعزى كليا او جزئيا الى السلطة الادارية، فلايمكن اعتبار الفعل قد تم الحصول عليه عن طريق الاحتيال ".
" ادارية عليا الطعن 1769 س 38 جلسة 4 / 1 / 1998
والطعن رقم 2423 س 27 جلسة 9 مايو 1987.
4 - واللافت ان المشرع المصري قد حصّن قرار منح الجنسية بسبب الغش بمضي عشر سنوات (م15 من قانون الجنسية المصري)!
دكتوراة القانون الدولي العام
جامعة Edinburgh -UK
خلاصة الدراسة
أولاً: ثمة اجماع في الفقه والقضاء على ان الغش والتدليس يفسد كل شيء و لا تلحقه حصانة "وان ما بني على باطل فهو باطل،. " وان من سعى في نقض ما سعى اليه من جهته فسعيه مردود عليه".
ثانياً: إن المشرع الكويتي نص على سحب الجنسية في حالات متعددة ومنها اذا اعطيت بناء على الغش والاقوال الكاذبة، واذا كان ذلك حقا مشروعا للدولة - وهو كذلك -، الا اننا نرى ان سحبها ممن حصل عليها بالتبعية دون علم او مشاركة منهم اجراء قد يوصف بشبهة عدم الدستورية باعتبار ان العقوبة شخصية ( م 33) من الدستور.
ثالثاً: مراعاة المعاهدات والمواثيق الدولية كالاعلان العالمي لحقوق الانسان واتفاقية حقوق الطفل والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ومراعاة كذلك الامن القانوني والاجتماعي.