ثمة معادلات في المملكة المغربية لا يدركها من لا يعرف شعب هذه الجغرافيا الكبيرة، وواقعه الاجتماعي المرتبط مباشرة بالقصر، لهذا، فإن خُطب الملك دائماً تكون نقل صوت ناسه إلى المسؤولين والمؤسسات، وليس العكس، لأن الركيزة الأساس تقوم على النضال المشترك للملك الراحل محمد الخامس، وبمساعدة ولي عهده، آنذاك، الحسن الثاني، والشعب في التصدي للاستعمار، حتى نيل الاستقلال في العام 1956، وعدم العودة إلى الوراء، مهما كلف الثمن، لأن التقدم غريزة أساسية عند الشعب المغربي التواق دائماً للتعلم والتثقف والاستفادة من تجاربه.
من هنا، ليست هذه المرة الوحيدة التي تتجلى العلاقة بين الشعب والقصر، منذ عام 1666 تاريخ تأسيس الملكية، هناك الكثير من الحقب التي دخلت فيها المغرب في أوضاع حساسة خارجية وداخلية، وكسبت الرهان.
لذا، في خضم ما سمي "الربيع العربي" راهنت بعض القوى الخارجية على أن المملكة في خطر، لكن كان العكس صحيحاً، فلهذا، من يراهن اليوم، من قوى الخارج، على الصيد في الماء العكر فهو جاهل، يخبط عشوائياً في ليل مظلم، ولا يعرف صلابة العلاقة بين الشعب والقصر والملك.
أضف إلى ذلك، أن الديمقراطية المغربية ناضجة بما فيه الكفاية، كي تدرك الأحزاب والمجتمع المدني الخطوط الستراتيجية التي لا يمكن تخطيها، لا سيما في ظل ملك هو من يسلط الأضواء على مكامن الخلل في المؤسسات في كل خطبه، أو حين يتفقّد المدن والقرى التي يزورها بشكل دائم، ويطلع من أهلها على أوضاعها مباشرة دون أي حواجز، لأنه يتمتع بفطنة العمل الميداني، وليس الاكتفاء بالتقارير التي ترده.
لهذا، يحاول البعض تصوير الأحداث الأخيرة على أنها موجة جديدة من "الربيع العربي"، وهذا بحد ذاته خطأ كبير، فالمغرب في تاريخه لم يكن البطش عقيدة الحكم، بل الحوار الدائم، الذي يفضي دائماً إلى نتائج مثمرة.
وإذا كان الملك محمد السادس، ينقل صوت الناس إلى المسؤولين، في ملكية دستورية أثبتت رسوخها، فإن ولي العهد الحسن بن محمد بن الحسن، ذلك الشاب، يتحدث بلغة جيله، ويتمتع بجرأة المقاربة الواقعية، لذلك حين يقول للمحتجين على بعض الأوضاع أفسحوا عن مطالبكم، فذلك توجيه غير مباشر للمسؤولين والمؤسسات كي يدركوا أن بعض الممارسات محل تساؤل، ويجب الإجابة عنها مباشرة.
استناداً إلى هذه الحقيقة، فإن المغرب بألف خير، والحراك الاجتماعي الديمقراطي، ولهذا كان الجميع في البرلمان بموقف واضح وهو أن ما يحدث يمثل دعوة جماعية لمراجعة الأداء السياسي والمؤسساتي دون السقوط في منطق التراشق أو تحميل المسؤوليات بشكل انتقائي.
لهذا، فإن ما يستغرب ذلك التأجيج عبر وسائل التواصل الاجتماعي من خارج المملكة، وفيما الواقع يثبت أنه غير صحيح البتة، فالعاصفة في تلك الوسائط سرعان ما تختفي، جراء تكذيب الوقائع اليومية لها، والرد الشعبي عليها بتجاهلها.
نعم، ثمة ثروات كبيرة في هذه المملكة، أساسها الطاقات البشرية التي تعمل على اجتراح المعجزات، في منطقة ستراتيجية، وبالتالي فإن المطالب الاجتماعية تبدو عادية لمن يعرف واقع المغرب المترامي الأطراف، وحضوره الدائم في المحافل الاستثمارية العالمية كوجهة واعدة، وهذا ما يجعل القدرة على معالجة المشكلات الطارئة سهلاً، وكذلك السير في الطريق التي حددها العاهل المنفتح على شعبه.
لهذا، في خطاب العرش الأخير كان الملك محمد السادس واضحاً بقوله: "نعرف جيداً أنني لن أكون راضياً مهما بلغ مستوى التنمية الاقتصادية والبنيات التحتية، إذا لم تسهم بشكل ملموس في تحسين ظروف عيش المواطنين من كل الفئات الاجتماعية، وفي جميع المناطق والجهات، لذا ما فتئنا نولي أهمية خاصة للنهوض بالتنمية البشرية، وتعميم الحماية الاجتماعية، وتقديم الدعم المباشر للأسر التي تستحقه".
ففي هذه العبارات، وضع الخطوط العريضة أمام الحكومة والبرلمان كي يؤديا ما عليهما بأمانة، لأن الهدف النهوض بالمغرب إلى المصاف التي يرضى عنها الشعب، إذ إن الملك هو صوته والمعبر عنه.
ولهذا، كما أسلفنا، إن الديمقراطية المغربية ناضجة بما يكفي كي تكون مرحلة جديدة من التجديد في الممارسات، التي حددها الملك محمد السادس، ونقلها إلى المؤسسات، لأنها كانت تدل على نبض الناس، وعلى هذا الأساس، فإن المغرب يبقى بألف خير، بل سيكون أفضل مستقبلاً في ظل الحكم الملكي الرشيد.