محاولات صمّ الآذان باءت بالفشل، وكذلك فشلت محاولة التجاهل البصري للأحداث العالمية، وللأخبار عن الشرق الأوسط المضطرب، أثناء الإجازة في العاصمة لندن، لكن المفارقة الإيجابية تمثلت في الحرية الإعلامية من دون وصاية، أو محظور سياسي، أو إعلامي.
بين الأخبار المتدفقة من الكويت عن "اسطول الصمود"، وبين النقاشات الساخنة في البرامج الحوارية في لندن حول تظاهرات مجموعة تسمي نفسها "فلسطين أكشن البريطانية"، احتضن العقل الباطن تلك الأحداث، وتدلت الجفون تمهيداً للنوم العميق.
استيقظت على أحلام مزعجة بعد ساعات فجرية... مجموعة "جاثوم" كادت تُغلق ممرات التنفس، واستنشاق الأوكسجين.
كان النوم أهم من التفكير في "الجاثوم" ومصدره، وأسبابه السياسية والإعلامية، لكن العقل ظل متشبثاً بالأحلام، لما فيها من تناقضات شديدة، تحولت إلى نقاش واقعي حول شأن كويتي مهم للغاية.
الشباب الكويتي الذي تسلح بشجاعة الفزعة الإنسانية، وجعل مأساة غزة، ومعاناة الشعب الفلسطيني أولوية إعلامية، إذ تمكنت رحلة "الصمود" من جذب الأضواء إليها، وللمشاركين فيها من مختلف الفئات والمهن.
كانت الإجراءات الإسرائيلية باعتقال البعض، أو الجميع متوقعة، ولم تكن مفاجأة لنا، ولا لمن كان على سطح السفينة. وبالتأكيد، لم تقصر وزارة الخارجية بإجراء اللازم تجاه مواطنيها، فلا فرق بينهم، وبين من كانوا في معتقل "غوانتنامو".
مبادرة المبحرين الكويتيين نحو غزة تعبر عن وعي سياسي، وهو ليس غريباً على الشباب الكويتي، سواء على المستوى الداخلي أو الدولي، والإسلامي، والعربي.
تخلل حلمي المتناقض، و"الجاثوم" الثقيل، بعض الاستفهامات العفوية: هل اهتمامات هؤلاء الشباب بالشأن السياسي الكويتي بقدر اهتمامهم بالشأن الفلسطيني؟
طبعا، لم أتطوع بالإجابة ولا التنبؤ بالرأي، ولو من باب الخيال، لكنني أفترض أن الوعي السياسي لا يختلف عند الجميع؛ فمن يهتم بشأن سياسي، بصرف النظر عن طبيعته، يمكن أن يكثف اهتمامه بالشأن المحلي، ويجعله أولوية ضمن الأولويات الضرورية.
راودتني أكثر من فكرة وسط نوم بين العميق، وعناد يقظة ذهنية: هل لدى هؤلاء الشباب الكويتي الذين خاطروا فوق الأمواج العاتية بأرواحهم ومستقبلهم، أي تصورات حول الشأن الكويتي ومتطلباته، واحتياجاته؟
هل لدى هذه الفئة الشابة المغامرة، وشديدة الحماس، من مختلف التخصصات، أفكار محددة حول عثرات الديمقراطية في الماضي القريب، وما موقفهم من "المكتسبات الوطنية"؟
هل صاحبت رحلة "الصمود" مناقشة شبابية سطحية، أو معمقة، بصوت مشترك عن تاريخ الكويت، وتحديات المستقبل؟
وهل يعلم المتطوعون الكويتيون عن فلسطين في التاريخ الكويتي منذ "وعد بلفور"؟
وهل يعلم المواطنون الكويتيون الذين تطوعوا، أو الذين تابعوا وتضامنوا معهم، بموقف الكويت منذ العام 1921 تجاه فلسطين؟
ولكي نكون واقعيين وسط أحلامي المتناقضة، أتمنى معرفة مدى الوعي السياسي لدى الشباب الكويتي المغامر، والمفعم بالحماسة تجاه التحديات التنموية الكويتية، واحتياجاتها للطاقات، والمهارات الشبابية قبل التركيز على الشأن العربي، والإسلامي، والفلسطيني تحديداً.
كما أتمنى أن تمتد المناقشة الكويتية عبر حسابات التواصل الاجتماعي، من باب العصف الذهني الحالم، لتشمل جماعتي "حماس" و"فتح" وبقية الفصائل المتناحرة، عن تاريخ الكويت تجاه فلسطين، وأسباب خلافات البيت الفلسطيني، وظروف نشأة "حماس"، وعلاقاتها بإيران.
ولكي نعرف مدى الوعي الفلسطيني السياسي بتاريخ الكويت، ودورها في دعم القضية، رغم الجرح الغائر الذي جاء من منظمة التحرير الفلسطينية، وباقي الفصائل، و"حماس" إبان الغزو العراقي، ليس استثناء، نحتاج إلى إجابات كويتية، وفلسطينية، ولو متأخرة، على أسئلة حالمة.