الخميس 23 أكتوبر 2025
27°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
مع الأسف الناس تنسى ولا تتعلم الدرس
play icon
كل الآراء

مع الأسف الناس تنسى ولا تتعلم الدرس

Time
الأربعاء 08 أكتوبر 2025
محمد الفوزان
قصص إسلامية

يعود الطوفان والإعصار والممارسات والأخطاء القاتلة مرّة أخرى، ولانتعلم من دروس التاريخ، وماحل بالأمم قبلنا.

لذا هل سيدخل المسلمون في أسوأ، وأظلم، وأقبح من السنوات التي مرت على الأمة عبر التاريخ،أم سيدركون أنفسهم، ويعودون إلى رشدهم قبل فوات الأوان، ولنا في تاريخ الأمم والشعوب عبرة وعظة؟

لقد بدأ الإعصار المغولي الرهيب على بلاد المسلمين بعد أن عم الفساد، وكثر الخبث، وانتشرت الرذيلة، وساد الظلم، وكثرت الخيانات، وضعف الدين.

لقد جاء جنكيزخان بجيشه الكبير في الهجمة التتارية الأولى لغزو مملكة خوارزم شاه، وخرج له محمد بن خوارزم شاه بجيشه أيضاً، وكان هذا في سنة 616هجرية، أي: بعد 13 سنة فقط من قيام دولة التتار، التي بدأت في منغوليا في جزء صغير جداً منها سنة 603 هجرية، ولم تأت سنة 616 هجرية، إلا وكانت قد احتلت تقريباً كل شرق آسيا، ولم يبق غير الدولة الخوارزمية.

التقى الجيشان في شرق الدولة الخوارزمية، أو في غرب الصين، واستمرت الحرب أربعة أيام متصلة في شرق نهر سيحون، المعروف حاليا بنهر سرداريا، والواقع في كازاخستان المسلمة، فقتل من الفريقين خلق كثير، واستشهد من المسلمين في هذه الموقعة 20 ألفاً، ومات من التتار أضعاف ذلك، ثم تحاجز الفريقان.

ثم انسحب محمد بن خوارزم بعد أن وجد أن أعداد التتار هائلة، وذهب إلى تحصين المدن الكبرى في مملكته، والعاصمة أورجندة بالذات، وانشغل بتجميع الجيوش من أطراف مملكته.وقد كان ابن خوارزم حاد الطباع، عصبياً معتداً بنفسه، ومتسرّعاً في اتخاذ القرارات من غير دراسة عواقبها، مما جعل وضعه السياسي منفصلاً ومعادياً للخلافة العباسية في العراق، ولغيرها من الممالك الإسلامية، فلم يكن على وفاق مع الأتراك، ولا مع السلاجقة، ولا مع الغوريين في الهند، تلك الدول الإسلامية القوية، آنذاك، لهذا كانت مملكته معزولة ومكروهة من شعوب العالم الإسلامي. لم يترك صديقاً له، مما جعله وحيداً في مواجهة الغزو التتاري المهول، وهذه المملكة، وإن كانت قوية وكبيرة وثرية، إلا أنها لم تصمد بمفردها أمام الضربات التتارية المتوالية.

أما جنكيز خان فقد جهز جيشه من جديد، واخترق إقليم كازاخستان (كازاخستان دولة حجمها ثلاثة ملايين كيلو متر مربع تقريباً، يعني: ثلاثة أضعاف دولة مصر) وقطّعه دون مقاومة تذكر، حتى وصل إلى مدينة بخارى، وهي اليوم في أوزباكستان، وهي بلدة الإمام الجليل والمحدث العظيم البخاري، رحمه الله، فحاصرها سنة 616 هجرية، ثم طلب من أهلها التسليم على أن يعطيهم الأمان، وكان محمد بن خوارزم شاه بعيداً عنها في ذلك الوقت، فقد كان يعيش في أورجندة(تقع في تركمانستان المسلمة حاليا)، فاحتار أهلها ماذا يفعلون، ثم ظهر رأيان: الرأي الأول نقاتل التتار وندافع عن مدينتنا، والثاني نأخذ الأمان ونفتح الأبواب للتتار؛ لتجنب القتل، وهكذا انقسم أهل البلد إلى فريقين: فريق من المجاهدين قرروا القتال واعتصموا بالقلعة في المدينة، وانضم إليهم فقهاء المدينة وعلماؤها، وآخر من المستسلمين، وهم الفريق الأعظم والأكبر في المدينة، فقرروا فتح أبواب المدينة، والاعتماد على أمان التتار، ففتحت المدينة المسلمة أبوابها للتتار.

دخل جنكيز خان إليها، وأعطى أهلها الأمان، فعلاً، في أول دخوله خديعة لهم؛ وذلك حتى يتمكن من السيطرة على المجاهدين في القلعة الكبيرة، وبدأ في حصارها، وأمر أهل المدينة من المسلمين أن يساعدوه في ردم الخنادق حولها؛ ليسهل فتحها، فأطاعوه، واصطفوا معه في محاربة شعبهم. لا تستغربوا ذلك الاصطفاف، فنحن نرى كثيراً من جيوش المسلمين يتحالفون ويحاربون مع أعدائهم ضد إخوانهم. حوصرت القلعة 10 أيام، ثم فتحت عنوة، ولما دخلها جنكيز خان،عليه لعنة الله، قتل من فيها من المجاهدين جميعاً، وهنا بدأ في خيانة عهده، فسأل أهل المدينة عن ثرواتها، وكنوزها، وأموالها، وذهبها، وفضتها، واصطفى كل ذلك لنفسه، ثم أحل المدينة المسلمة لجنده، ففعلوا فيها ما لا يتخيله عقل.

يقول ابن كثير، رحمه الله، في "البداية والنهاية" مصوراً ما فعله التتار في بخارى "فقتلوا من أهلها خلقاً لا يعلمهم إلا الله عز وجل، وأسروا الذرية والنساء، وفعلوا مع النساء الفواحش في حضرة أهليهن، وارتكبوا الزنا مع البنت في حضرة أبيها، ومع الزوجة في حضرة زوجها، فمن المسلمين من قاتل دون حريمه حتى قتل، ومنهم من أسر فعذب بأنواع العذاب، وكثر البكاء والضجيج بالبلد من النساء والأطفال والرجال، ثم أشعل التتار النار في دور بخارى ومدارسها ومساجدها، فاحترقت المدينة تماماً، حتى صارت خاوية على عروشها"... ولا حول ولا قوة إلا بالله. وهكذا هلكت بخارى واندثرت بعدها مملكة خوارزم في سنة 616هجرية.

نحن اليوم نترقب الطوفان والإعصار والدمار بسبب الممارسات والأخطاء القاتلة مرّة أخرى، ولا نتعلم من درس التاريخ، وماحل بالأمم قبلنا، ترى هل سيدخل المسلمون في أسوأ وأظلم وأقبح من السنوات التي مرت على الأمة عبر التاريخ، أم سيدركون أنفسهم ويعودون إلى رشدهم قبل فوات الأوان؟

أسأل الله عز وجل أن يفقهنا في سننه، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يجعل لنا في التاريخ عبرة وعظة. "فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَاد".

إمام وخطيب

[email protected]

آخر الأخبار