

سمو الرئيس… "الهون أبرك ما يكون"
يبدو أن مسألة أملاك الدولة التي أُثيرت، ولا تزال تُثار، ليست مبنية على رؤية واضحة، لذا في كل فترة نرى جديداً يعرقل أعمال المستثمرين الذين أحيوا أرضاً ميتة، وعمّروها بمنشآت، أصبحت اليوم من أعمدة الاقتصاد الوطني، الذي يحتاج إلى الكثير من الجهود والتشجيع كي ينهض من كبوته، ويصبح منافساً لبقية الاقتصادات في المنطقة، وليس كما يجري حالياً وضع المزيد من العراقيل أمام مستثمري القسائم الصناعية والزراعية والخدماتية. في هذا الشأن، لا بد من التذكير أنه حين منحت الدولة تلك القسائم إلى الناس كانت تريد إحياء البلاد، وخلق اقتصاد يمكن الاعتماد عليه، كبديل للنفط الناضب بعد حين، فهذا الإعمار يعني أن الكويت ليست أرضاً جرداء، وأن الحركة العمرانية ليست للتباهي، إنما أساس الاستمرارية. وهذا يتطلب أن تكون هناك رؤية تعبر عن طموح الناس، أهل الأرض، الذين يسعون كي ينتجوا ما يساعد في تحصين المجتمع، عبر قوة اقتصادية تقوم على التعاون، والتعاضد، وليست العرقلة مجهولة الأسباب. قلنا في الماضي، ونعيد التأكيد، إذا كان الهدف التنظيم، فإن القرارات الأخيرة لن تصب في مصلحة أحد، ولن تخدم الاقتصاد الوطني، لذا من المهم النظر في هذه المسألة بعيداً عن الأمزجة الشخصية، والحسابات الضيقة، بينما الصحيح العمل على رفع الكفاءة للمصالح الحرة، كي تكون مساندة للقطاع العام. ولأن الكويت ليست دولة اشتراكية، وهي تقوم على الاقتصاد الحر المنظم، فإن هذا يتطلب إجراءات مستندة إلى رؤية، كأن يجري إقرار حق المستثمر باستملاك قسيمته، وتحويلها خدماتية، في المناطق القريبة من العاصمة، كالشويخ، التي فيها إنشاءات مختلفة، كمراكز الصحف، وغيرها، من المؤسسات الخدماتية، وهي بحاجة إلى تنويع نشاطها لخدمة المصلحة العامة، فلا يقتصر على العمل بما تشمله التراخيص بشأنه، فالعالم يتغير، والبقاء على ما كُتب قبل ستين أو خمسين عاماً، هو التخلف بذاته، فهناك صناعات جديدة تتطلب التفكير خارج الصندوق. ولهذا، فإن كانت الدولة بحاجة إلى المشاركة في هذه المشاريع، يمكنها ذلك، أو التمليك الحر، أو الترخيص للمؤسسات والشركات لفترات طويلة لا تقل عن 30 أو 50 سنة، كي يسترد المستثمر ماله، ويشارك في عملية النهوض، ويستعد لدفع الضرائب، إن طُبقت. كذلك يمكن للحكومة أن تقر ضرائب ورسوماً على هذه النشاطات كي تدعم الخزينة العامة، بهذا لا يبقى المستثمر تحت رحمة الإجراءات الارتجالية، أو المزاجية، أو المصالح الضيقة لبعض الموظفين، وهنا لا بد من القول إن أغلب المستثمرين لا يعارضون ذلك، لأن النشاطات الموجودة فيها متكاملة من حيث التنوع، وأي سحب للترخيص أو القسيمة يخل بالنشاط الاقتصادي العام. هنا علينا القول: في أي رؤية حكومية تكون الأهداف واضحة، مبنية على نظرة إلى المستقبل، وفي الوقت نفسه تخدم الحاضر، لكن إذا كانت القرارات ارتجالية، فهي لا تخدم حتى الذي أصدرها إذا كان هدفه الاستفادة طويلة الأجل. من ناحية أخرى، إن ما يجري في المعالم التي تعتبر تراثية يثير علامات استفهام عدة، وفي هذا الشأن لنأخذ سوق المباركية مثالاً، فبعد حريق جزء منه، كانت هناك خطة لإعادة إعماره، لكن يبدو أن الهدف تغير، وبالتالي فإن المستثمر، أياً كانت هويته، لا بد أن يستفيد، لذا فإن الهوية التراثية ستتغير، لأن الإيجارات سترتفع حتماً، ما يعني التخلي عن الأنشطة التاريخية الموجودة في هذه الأسواق، وبالتالي فقدان أهم ميزة للعاصمة. إن هذه الأعمال والنشاطات في دول أخرى تكون محل عناية، فلا تتغير هويتها التراثية، بل تشجيع الناس، ليس فقط على الاستثمار، إنما الفخر بتراثهم، أكان ذلك في الأسواق التراثية، أم المناطق الصناعية، والزراعية والخدماتية، حتى العمرانية القديمة. أخيراً، إن هذه القرارات والإجراءات طاردة للمستثمر المحلي والأجنبي، وهي تشكل حلقة مفرغة، الدوران في فلكها لا يخدم نهوض الكويت الذي ننشده، بعد توقف الشغب السياسي، وعودة القوة إلى قرارات الحكم والحكومة.